للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ فِي وَهَذَا حَرْفُ تَنْبِيهٍ. وَقِيلَ: الْعَامِلُ فِي الْحَالِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ التَّنْبِيهِ، أَيْ تَنَبَّهْ. وَأَمَّا تِلْكَ، فَلَيْسَ فِيهَا حَرْفُ تَنْبِيهٍ عَامِلًا بِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّنْبِيهِ، لِأَنَّ الْحَرْفَ قَدْ يَعْمَلُ فِي الْحَالِ: تَنَبَّهْ لِزَيْدٍ فِي حَالِ شَيْخِهِ وَفِي حَالِ قِيَامِهِ: وَقِيلَ: الْعَامِلُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى، أَيِ انْظُرْ إِلَيْهِ فِي حَالِ شَيْخِهِ، فَلَا يَكُونُ اسْمُ الْإِشَارَةِ عَامِلًا وَلَا حَرْفُ التَّنْبِيهِ، إِنْ كَانَ هُنَاكَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: نَتْلُوهَا، فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ، أَيْ نَتْلُو شَأْنَهَا وَشَرْحَ الْعِبْرَةِ بِهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِآيَاتِ اللَّهِ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي، فَلَا يَكُونُ فِي نَتْلُوهَا حَذْفُ مُضَافٍ. انْتَهَى. وَنَتْلُوهَا مَعْنَاهُ: يَأْمُرُ الْمَلِكُ أن نتلوها. وقرىء: يَتْلُوهَا، بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، عَائِدًا عَلَى اللَّهِ وَبِالْحَقِّ: بِالصِّدْقِ، لِأَنَّ صِحَّتَهَا مَعْلُومَةٌ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ.

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ الْآيَةَ، فِيهِ تَقْرِيعٌ وَتَوْبِيخٌ وَتَهْدِيدٌ بَعْدَ اللَّهِ: أَيْ بَعْدَ حَدِيثِ اللَّهِ، وَهُوَ كِتَابُهُ وَكَلَامُهُ، كَقَوْلِهِ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً «١» وَقَالَ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ «٢» أَيْ بَعْدَ حَدِيثِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: بَعْدَ تَوْحِيدُ اللَّهِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ، أَيْ بَعْدَ آيَاتِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِمْ: أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَكَرَمُهُ، يُرِيدُونَ: أَعْجَبَنِي كَرَمُ زَيْدٍ. انْتَهَى. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إِقْحَامَ الْأَسْمَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالْعَطْفُ وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْعَطْفِ مِنْ إِخْرَاجِهِ إِلَى بَابِ الْبَدَلِ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ كَرَمُ زَيْدٍ إِنَّمَا يَكُونُ فِي: أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وكرمه، بِغَيْرِ وَاوٍ عَلَى الْبَدَلِ وَهَذَا قَلْبٌ لِحَقَائِقِ النَّحْوِ. وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِي: أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَكَرَمُهُ، أَنَّ ذَاتَ زَيْدٍ أَعْجَبَتْهُ، وَأَعْجَبَهُ كَرَمُهُ فَهُمَا إِعْجَابَانِ لَا إِعْجَابٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ رَدَدْنَا عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْلِهِ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالْأَعْرَجُ، وَشَيْبَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَرَمِيَّانِ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ: يُؤْمِنُونَ، بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتٍ وَالْأَعْمَشُ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ: بِتَاءِ الْخِطَابِ وَطَلْحَةُ: تُوقِنُونَ بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقٍ، وَالْقَافِ مِنَ الْإِيقَانِ.

وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ وَقِيلَ: فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَرْثِ وَمَا كَانَ يَشْتَرِي مِنْ أَحَادِيثِ الْأَعَاجِمِ وَيَشْغَلُ بِهَا النَّاسَ عَنِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ. وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِيمَنْ كَانَ مُضَارًّا لِدِينِ اللَّهِ وَأَفَّاكٌ أَثِيمٌ، صِفَتَا مُبَالَغَةٍ وَأَلْفَاظُ هَذِهِ الْآيَةِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: عَلِمَ وَقَتَادَةُ وَمَطَرٌ الْوَرَّاقُ: بِضَمِّ الْعَيْنِ وَشَدِّ اللَّامِ مَبْنِيًّا للمفعول، أي


(١) سورة الزمر: ٣٩/ ٢٣.
(٢) سورة المرسلات: ٧٧/ ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>