وَيُنْصَبَ الْمَفْعُولُ بِهِ الصَّرِيحُ، وَهُوَ قَوْمًا وَنَظِيرُهُ: ضُرِبَ بِسَوْطٍ زَيْدًا وَلَا يُجِيزُ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ. وَخَرَجَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى أَنَّ يَكُونَ بُنِيَ الْفِعْلُ لِلْمَصْدَرِ، أَيْ وَلِيُجْزَى الْجَزَاءُ قَوْمًا. وَهَذَا أَيْضًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لَكِنْ يُتَأَوَّلُ عَلَى أَنْ يُنْصَبَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ يَجْزِي قَوْمًا، فَيَكُونُ جُمْلَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لِيُجْزَى الْجَزَاءُ قَوْمًا، وَالْأُخْرَى: يَجْزِيهِ قَوْمًا وَقَوْمًا هُنَا يَعْنِي بِهِ الْغَافِرِينَ، وَنَكَّرَهُ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِشَأْنِهِمْ، كَأَنَّهُ قِيلَ: قَوْمًا، أَيْ قَوْمٌ مِنْ شَأْنِهِمُ التَّجَاوُزُ عَنِ السَّيِّئَاتِ وَالصَّفْحُ عَنِ الْمُؤْذِيَاتِ وَتَحَمُّلُ الْوَحْشَةِ. وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ، أَيْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ مِنَ الْإِثْمِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لَمْ تُكَافِئُوهُمْ أَنْتُمْ حَتَّى نُكَافِئَهُمْ نَحْنُ.
مَنْ عَمِلَ صالِحاً كَهَؤُلَاءِ الْغَافِرِينَ، وَمَنْ أَساءَ كَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ، وَأَتَى بِاللَّامِ فِي فَلِنَفْسِهِ، لِأَنَّ الْمَحَابَّ وَالْحُظُوظَ تُسْتَعْمَلُ فِيهَا عَلَى الدَّالَّةُ عَلَى الْعُلُوِّ وَالْقَهْرِ، كَمَا تَقُولُ:
الْأُمُورُ لزيد متأنية وَعَلَى عَمْرٍو مُسْتَصْعَبَةٌ. وَالْكِتَابُ: التوراة، والحكم: الفضاء، وَفَصْلُ الْأُمُورِ لِأَنَّ الْمُلْكَ كَانَ فِيهِمْ. قِيلَ: وَالْحُكْمُ: الْفِقْهُ. وَيُقَالُ: لَمْ يَتَّسِعْ فِقْهُ الْأَحْكَامِ عَلَى نَبِيٍّ، كَمَا اتَّسَعَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى مِنَ الطَّيِّبَاتِ الْمُسْتَلَذَّاتِ الْحَلَالِ، وَبِذَلِكَ تَتِمُّ النِّعْمَةُ، وَذَلِكَ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَطَيِّبَاتُ الشَّامِ، إِذْ هِيَ الْأَرْضُ الْمُبَارَكَةُ. بَيِّنَاتٍ: أَيْ دَلَائِلَ وَاضِحَةً مِنَ الْأَمْرِ، أَيْ مِنْ الْوَحْيِ الَّذِي فُصِلَتْ بِهِ الْأُمُورُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ الْأَمْرِ، أَيْ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ يُهَاجِرُ مِنْ تِهَامَةَ إِلَى يَثْرِبَ. وَقِيلَ مُعْجِزَاتُ مُوسَى. فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ: تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ في الشورى.
ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ، هَذَا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ، وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، وَقالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ مَا كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute