للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سِوَى، وَمَاءٌ رِوَى، وَرَجُلٌ رِضَى، وَمَاءٌ صِرَى، وَسَبْيٌ طِيَبَةٌ، فَمُتَأَوَّلَةٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لَا يُثْبِتُونَ بِهَا فِعَلًا فِي الصِّفَاتِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَبِي حَيْوَةَ: بَدِعًا، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ، كَحَذِرٍ.

وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ: أَيْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ، أَيْ لَا أَعْلَمُ مَا لِي بِالْغَيْبِ، فَأَفْعَالُهُ تَعَالَى، وما يقدره لِي وَلَكُمْ مِنْ قَضَايَاهُ، لَا أَعْلَمُهَا. وَعَنِ الْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ:

وَمَا أَدْرِي مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَمَنِ الْغَالِبُ مِنَّا وَالْمَغْلُوبُ؟

وَعَنِ الْكَلْبِيِّ، قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَدْ ضَجِرُوا مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ: حَتَّى مَتَى نَكُونُ عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ! أَأَنْزِلُ بِمَكَّةَ؟ أَمْ أُومَرُ بِالْخُرُوجِ إِلَى أَرْضٍ قَدْ رُفِعَتْ وَرَأَيْتُهَا، يَعْنِي فِي مَنَامِهِ، ذَاتَ نَخْلٍ وَشَجَرٍ؟

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٌ بْنُ مَالِكٍ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ: مَعْنَاهُ فِي الْآخِرَةِ، وَكَانَ هَذَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَدِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلٌ كَبِيرٌ وَهُوَ الْجَنَّةُ، وَبِأَنَّ الْكَافِرِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلْ قَدْ أَعْلَمَ سُبْحَانَهُ مِنْ أَوَّلِ الرِّسَالَةِ حَالَ الْكَافِرِ وَحَالَ الْمُؤْمِنِ. وَقِيلَ: مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَمَا يَلْزَمُ الشَّرِيعَةَ.

وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَمْرٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُهُ مِنَ اللَّهِ فِي غَيْرِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.

إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ: اسْتِسْلَامٌ وَتَبَرُّؤٌ مِنْ عِلْمِ الْمُغَيَّبَاتِ، وَوُقُوفٌ مَعَ النِّذَارَةِ إِلَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مَا يُفْعَلُ بِضَمِّ الْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: بِفَتْحِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَأَدْرِي مُعَلَّقَةٌ فَجُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِ مَوْصُولَةٌ مَنْصُوبَةٌ. انْتَهَى. وَالْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ دَرَى يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ، وَلِذَلِكَ حِينَ عُدِّيَ بِهَمْزَةِ النَّقْلِ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ، نَحْوُ قَوْلِهِ: وَلا أَدْراكُمْ بِهِ «١» ، فَجَعْلُ مَا اسْتِفْهَامِيَّةً هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَجْوَدُ، وَكَثِيرًا مَا عُلِّقَتْ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ، ويفعل مُثْبَتٌ غَيْرُ مَنْفِيٍّ، لَكِنَّهُ قَدِ انْسَحَبَ عَلَيْهِ النَّفْيُ، لاشتماله على ما ويفعل فَلِذَلِكَ قَالَ: وَلا بِكُمْ. وَلَوْلَا اعْتِبَارُ النَّفْيِ، لَكَانَ التَّرْكِيبُ مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ. أَلَا تَرَى زِيَادَةَ مِنْ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ «٢» ؟ لا نسحاب قَوْلِهِ: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا «٣» عَلَى يَوَدُّ وَعَلَى مُتَعَلِّقِ يَوَدُّ، وَهُوَ أَنْ يُنَزَّلَ، فَإِذَا انْتَفَتْ وِدَادَةُ التَّنْزِيلِ انْتَفَى التَّنْزِيلُ. وَقَرَأَ ابْنُ عُمَيْرٍ: مَا يُوحِي، بِكَسْرِ الْحَاءِ، أَيِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ: مَفْعُولَا أَرَأَيْتُمْ مَحْذُوفَانِ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِمَا، وَالتَّقْدِيرُ: أَرَأَيْتُمْ


(١) سورة يونس: ١٠/ ١٦.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٠٥.
(٣) سورة البقرة: ٢/ ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>