للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْكُمْ فَرْدٌ فَرْدٌ. مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ: وَأَتَى بِصِيغَةِ وَلِيٍّ، وَهُوَ فَعِيلٌ، لِلْمُبَالَغَةِ، وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ، ولذلك لم يجىء فِي الْقُرْآنِ وَالٍ إِلَّا فِي سُورَةِ الرَّعْدِ، لِمُوَاخَاةِ الْفَوَاصِلِ، وَأَتَى بِنَصِيرٍ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، لِمُنَاسَبَةِ وَلِيٍّ فِي كَوْنِهِمَا عَلَى فَعِيلٍ، وَلِمُنَاسَبَةِ أَوَاخِرِ الْآيِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ فَاعِلٍ. وَمِنْ زَائِدَةٌ فِي قَوْلِهِ: مِنْ وَلِيٍّ، فَلَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ.

وَمِنْ: فِي مِنْ دُونِ اللَّهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَجْرُورُ الَّذِي هُوَ لَكُمْ، وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، إِذْ هُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَيَجُوزُ فِي مَا هَذِهِ أَنْ تَكُونَ تَمِيمِيَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حِجَازِيَّةً عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَقَدُّمَ خَبَرِهَا، إِذَا كَانَ ظَرْفًا أَوْ مَجْرُورًا. أَمَّا مَنْ مَنْعَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ فِي مَا أَنْ تَكُونَ حِجَازِيَّةً، وَمَعْنَى مِنْ الْأُولَى ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ. وَتَكَرَّرَ اسْمُ اللَّهِ ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ، وَلَمْ يُضْمَرْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلِّ جُمْلَةٍ مِنْهَا، وَأَنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ مُرْتَبِطَةً بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ارْتِبَاطَ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِضْمَارٍ.

وَلَمَّا كَانَتِ الْجُمْلَتَانِ الْأُولَيَانِ لِلتَّقْرِيرِ، وَهُوَ إِيجَابٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، نَاسَبَ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ نَفْيًا لِلْوَلِيِّ وَالنَّاصِرِ، أَيْ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي هِيَ تَحْتَ قُدْرَةِ اللَّهِ وَسُلْطَانِهِ وَاسْتِيلَائِهِ، فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْجِزُهُ عَمَّا يُرِيدُ بِهَا شَيْءٌ، وَلَا مُغَالِبَ لَهُ تَعَالَى فِيمَا يُرِيدُ.

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ: اخْتُلِفَ فِي سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقِيلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ وَرَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالُوا:

يَا مُحَمَّدُ اجْعَلِ الصَّفَا ذَهَبًا، وَوَسِّعْ لَنَا أَرْضَ مَكَّةَ، وَفَجِّرِ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا، وَنُؤْمِنْ لَكَ. وَقِيلَ: تَمَنَّى الْيَهُودُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَمِنْ قَائِلٍ: ائْتِنَا بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ جُمْلَةً، كَمَا أَتَى مُوسَى بِالتَّوْرَاةِ. وَمِنْ قَائِلٍ: ائْتِنِي بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ: مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ، إِنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ مُحَمَّدًا إِلَى النَّاسِ. وَمِنْ قَائِلٍ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا. وَقِيلَ: إِنَّ رَافِعَ بْنَ خُزَيْمَةَ، وَوَهْبَ بْنَ زَيْدٍ قَالَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتِنَا بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ، وَفَجِّرْ لَنَا أَنْهَارًا، نَتَّبِعْكَ.

وَقِيلَ: إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

لَيْتَ ذُنُوبَنَا جَرَتْ مَجْرَى ذُنُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ خَطِيئَةٌ وَجَدُوهَا مَكْتُوبَةً عَلَى بَابِ الْخَاطِئِ، فَإِنْ كَفَّرَهَا كَانَتْ لَهُ خِزْيًا فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْهَا كَانَتْ لَهُ خِزْيًا فِي الْآخِرَةِ» .

وَقِيلَ: الْيَهُودُ وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ سَأَلُوا رَدَّ الصَّفَا ذَهَبًا، وَقِيلَ لَهُمْ: خُذُوهُ كَالْمَائِدَةِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَبَوْا وَنَكَصُوا. وَقِيلَ: سَأَلَ قَوْمٌ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ ذَاتَ أَنْوَاطٍ، كَمَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ، وَهِيَ شَجَرَةٌ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا الثَّمَرَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْمَأْكُولَاتِ وَأَسْلِحَتَهُمْ. كَمَا سَأَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى فَقَالُوا: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا

<<  <  ج: ص:  >  >>