بالَهُمْ، ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ، فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ، وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها، ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ.
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَالسُّدِّيُّ: مَكِّيَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةَ: أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، إِلَّا آيَةً مِنْهَا نَزَلَتْ بَعْدَ حَجِّهِ، حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الْبَيْتِ، وَهِيَ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ الْآيَةَ. وَمُنَاسَبَةُ أَوَّلِهَا لِآخِرِ مَا قَبْلَهَا وَاضِحَةٌ جِدًّا.
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: أَيْ أَعْرَضُوا عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، أَوْ صَدُّوا غَيْرَهُمْ عَنْهُ، وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ الَّذِينَ أَخْرَجُوا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُمُ الْمُطْعِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَيَأْمُرُونَهُمْ بِالْكُفْرِ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، صَدُّوا مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: عَنْ بَيْتِ اللَّهِ، يَمْنَعُ قَاصِدِيهِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ كَفَرَ وَصَدَّ. أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ: أَيْ أَتْلَفَهَا، حَيْثُ لَمْ يَنْشَأْ عَنْهَا خَيْرٌ وَلَا نَفْعٌ، بَلْ ضَرَرٌ مَحْضٌ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِبَدْرٍ، وَأَنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ: أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ إِلَى الِاتِّفَاقِ الَّذِي اتَّفَقُوهُ فِي سَفَرِهِمْ إِلَى بَدْرٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ: أَعْمَالُهُمُ الْبِرَّةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِنْ صِلَةِ رَحِمٍ وَفَكِّ عَانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّفْظُ يَعُمُّ جَمِيعَ ذَلِكَ.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ: هُمُ الْأَنْصَارُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ.
وَقِيلَ: مُؤْمِنُوَ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ وَعَلَى تَقْدِيرِ خُصُوصِ السَّبَبِ فِي الْقَبِيلَتَيْنِ، فَاللَّفْظُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ كَافِرٍ وَكُلَّ مُؤْمِنٍ. وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ: تَخْصِيصُهُ مِنْ بَيْنِ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، تَعْظِيمٌ لِشَأْنِ الرَّسُولِ، وَإِعْلَامٌ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ وَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ.
وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْجُمْلَةِ الِاعْتِرَاضِيَّةِ الَّتِي هِيَ: وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ. وَقِيلَ: وَهُوَ الْحَقُّ:
نَاسِخٌ لِغَيْرِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ النَّسْخُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نُزِّلَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute