للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَعْساً لَهُمْ: أَيْ هَلَاكًا بِأَدَاةِ تَقْوِيَةٍ لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ جَعَلَ لَهُمُ التَّثْبِيتَ، وَلِلْكُفَّارِ الْهَلَاكَ وَالْعَثْرَةَ.

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ: يَشْمَلُ مَا أَنْزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ التَّوْحِيدِ، وَذِكْرِ الْبَعْثِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ. فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ: أي جعلها مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا تَزْكُوا وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا. دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: أَيْ أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ مَا اخْتُصُّوا بِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا. تِلْكَ الْعَاقِبَةُ وَالتَّدْمِيرَةُ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا دَمَّرَ وَالْهَلَكَةُ، لِأَنَّ التَّدْمِيرَ يَدُلُّ عَلَيْهَا، أَوِ السُّنَّةَ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا «١» . وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ، لِأَنَّ الْعَاقِبَةَ مَنْطُوقٌ بِهَا، فَعَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الْمَلْفُوظِ بِهِ، وَمَا بَعْدَهُ مَقُولُ الْقَوْلِ. ذلِكَ بِأَنَّ: ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى النَّصْرِ فِي اخْتِيَارِ جَمَاعَةٍ، وَإِلَى الْهَلَاكِ، كَمَا قَالَ: وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها، قَالَ ذَلِكَ الْهَلَاكُ الَّذِي جُعِلَ لِلْكُفَّارِ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهِ مَوْلاهُمُ: أَيْ نَاصِرُهُمْ وَمُؤَيِّدُهُمْ، وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا نَاصِرَ لَهُمْ، إِذِ اتَّخَذُوا آلِهَةً لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَتَرَكُوا عِبَادَةَ مَنْ يَنْفَعُ وَيَضُرُّ، وَهُوَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَمِنْهَا انْتَزَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهُ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ حِينَ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ» ، حِينَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ لَنَا عُزَّى، وَلَا عُزَّى لَكُمْ.

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ، وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ، أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ، مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ، وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ، فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها، فَأَنَّى لَهُمْ إِذا


(١) سورة الأحزاب: ٣٣/ ٣٨- ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>