للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها: أَيْ عَلَامَاتُهَا، فَيَنْبَغِي الِاسْتِعْدَادُ لَهَا. وَمِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ هُوَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ» .

وَقَالَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَكَفَرَسَيْ رِهَانٍ» .

وَقِيلَ: مِنْهَا الدُّخَانُ وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ.

وَعَنِ الْكَلْبِيِّ: كَثْرَةُ الْمَالِ، وَالتِّجَارَةِ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَقَطْعِ الْأَرْحَامِ، وَقِلَّةِ الْكِرَامِ، وَكَثْرَةِ اللِّئَامِ. فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى: فَكَيْفَ لَهُمُ الذِّكْرَى وَالْعَمَلُ بِهَا إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ؟ أَيْ قَدْ فَاتَهَا ذَلِكَ. قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفًا، أَيْ:

فَأَنَّى لَهُمُ الْخَلَاصُ إِذَا جَاءَتْهُمُ الذِّكْرَى بِمَا كَانُوا يُخْبَرُونَ بِهِ فَيُكَذِّبُونَ بِهِ بِتَوَاصُلِهِ بِالْعَذَابِ؟

ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ وَقَالَ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْمَعْنَى: دُمْ عَلَى عَمَلِكَ بِتَوْحِيدٍ. وَاحْتُجَّ بِهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ الْعِلْمُ وَالنَّظَرُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْإِقْرَارِ.

وَفِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَاضُعِ وَهَضْمِ النَّفْسِ، إِذْ أَمَرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَمَعَ غَيْرِهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ.

مُتَقَلَّبَكُمْ: مُتَصَرَّفَكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا. وَمَثْواكُمْ: إِقَامَتَكُمْ فِي قُبُورِكُمْ وَفِي آخِرَتِكُمْ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مُتَقَلَّبَكُمْ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ إِلَى أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ، وَمَثْوَاكُمْ: إِقَامَتَكُمْ فِي الْأَرْضِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ. مُتَقَلَّبَكُمْ: تَصَرُّفَكُمْ فِي يَقَظَتِكُمْ، وَمَثْوَاكُمْ: مَنَامَكُمْ.

وَقِيلَ: مُتَقَلَّبَكُمْ فِي مَعَائِشِكُمْ وَمَتَاجِرِكُمْ، وَمَثْوَاكُمْ حَيْثُ تُسْتَفَزُّونَ مِنْ مَنَازِلِكُمْ. وَقِيلَ:

مُتَقَلَّبَكُمْ بِالتَّاءِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ بِالنُّونِ.

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ، طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها، إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ، فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ، ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ.

كَانَ الْمُؤْمِنُونَ حَرِيصِينَ عَلَى ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَعُلُوِّ كَلِمَتِهِ وَتَمَنِّي قَتْلِ الْعَدُوِّ، وَكَانُوا يَسْتَأْنِسُونَ بِالْوَحْيِ، وَيَسْتَوْحِشُونَ إِذَا أَبْطَأَ. وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ ذَلِكَ بَابًا وَمَضْرُوبَةً لَا يُتَعَدَّى. فَمَدَحَ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِطَلَبِهِمْ إِنْزَالَ سُورَةٍ، وَالْمَعْنَى تَتَضَمَّنُ أَمْرَنَا بِمُجَاهَدَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>