للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيِ الْهَلَاكِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْمَشْهُورُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ أَوْلَى لَكَ فَقَطْ عَلَى جِهَةِ الْحَذْفِ وَالِاخْتِصَارِ، لِمَا مَعَهَا مِنَ الْقُوَّةِ، فَيَقُولُ، عَلَى جِهَةِ الزَّجْرِ وَالتَّوَعُّدِ: أَوْلَى لَكَ يَا فُلَانُ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى «١» . وَقَوْلُ الصِّدِّيقِ لِلْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَوْلَى لَكَ انْتَهَى.

وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ مَحْذُوفٌ مِنْهُ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ، إِمَّا الْخَبَرُ وَتَقْدِيرُهُ: أَمْثَلُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلِ وَإِمَّا الْمُبْتَدَأُ وَتَقْدِيرُهُ: الْأَمْرُ أَوْ أَمَرْنَا طَاعَةً، أَيِ الْأَمْرُ الْمُرْضِيِّ لِلَّهِ طَاعَةً. وَقِيلَ: هِيَ حِكَايَةُ قَوْلِهِمْ، أَيْ قَالُوا طَاعَةً، وَيَشْهَدُ لَهُ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ يَقُولُونَ: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ، وَقَوْلُهُمْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْهَزْءِ وَالْخَدِيعَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْوَاقِفُ عَلَى: فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، وَالْمَعْنَى:

أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الْخَدِيعَةِ. وَقِيلَ: طاعة صفة لسورة، أَيْ فَهِيَ طَاعَةٌ، أَيْ مُطَاعَةٌ.

وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِحَيْلُولَةِ الْفَصْلِ لِكَثِيرٍ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ. فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ:

أَيْ جَدَّ، وَالْعَزْمُ: الْجِدُّ، وَهُوَ لِأَصْحَابِ الْأَمْرِ. وَاسْتُعِيرَ لِلْأَمْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ «٢» . وَقَالَ الشَّاعِرُ:

قَدْ جَدَّتْ بِهِمُ الْحَرْبُ فَجَدُّوا وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَوَابَ إِذَا قَوْلُهُ: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ، كَمَا تَقُولُ: إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ، فَلَوْ جِئْتَنِي لَكَسَوْتُكَ. وَقِيلَ: الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ هُوَ أَوْ نَحْوُهُ، قَالَهُ قَتَادَةُ.

وَمَنْ حَمَلَ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ، عَلَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ خَدِيعَةً قَدَّرْنَاهُ عَزَمَ الْأَمْرُ، فَاقْفَوْا وَتَقَاضَوْا، وَقَدَّرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فَأُصَدِّقُ، فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ فِيمَا زَعَمُوا مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى الْجِهَادِ، أَوْ فِي إِيمَانِهِمْ، وَوَاطَأَتْ قُلُوبُهُمْ فِيهِ أَلْسِنَتَهُمْ، أَوْ فِي قُلُوبِهِمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ. فَهَلْ عَسَيْتُمْ: الْتِفَاتٌ لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أَقْبَلَ بِالْخِطَابِ عَلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبِيخِ وَتَوْقِيفِهِمْ عَلَى سُوءِ مُرْتَكَبِهِمْ، وَعَسَى تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي لُغَتِهَا. وَفِي الْقِرَاءَةِ فِيهَا، إِذَا اتَّصَلَ بِهَا ضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَاتِّصَالُ الضَّمِيرِ بِهَا لُغَةُ الْحِجَازِ، وَبَنُو تَمِيمٍ لَا يُلْحِقُونَ بِهَا الضَّمِيرَ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ عَسَى يَتَّصِلُ بِهَا ضَمِيرُ الرَّفْعِ وَضَمِيرُ النَّصْبِ، وَأَنَّهَا لَا يَتَّصِلُ بِهَا ضَمِيرُ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَسَى أَنْتَ تقوم، وعسى أن أقوم، فدون ما ذكرنا لك تَطْوِيلُ الَّذِي فِيهِ. انْتَهَى. وَلَا أَعْلَمَ أَحَدًا مِنْ نَقَلَةِ الْعَرَبِ ذَكَرَ انْفِصَالَ الضَّمِيرِ بَعْدَ عَسَى، وَفَصَلَ بَيْنَ عَسَى وَخَبَرِهَا بِالشَّرْطِ، وهو أن توليتم.


(١) سورة القيامة: ٧٥/ ٣٤.
(٢) سورة الشورى: ٤٢/ ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>