للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِهِ: وَلَا الضَّالِّينَ «١» ، وَعَلَى سَوَاءَ فِي قَوْلِهِ: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ «٢» ، وَأَنَّ سَوَاءٌ يَكُونُ بِمَعْنَى مُسْتَوٍ. وَلِذَلِكَ يَتَحَمَّلُ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِمْ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ سَوَاءٍ هُوَ وَالْعَدَمُ، وَيُوصَفُ بِهِ: تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ، وَيُفَسَّرُ بِمَعْنَى الْعَدْلِ وَالنَّصَفَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَوٍ، وَقَالَ زُهَيْرٌ:

أَرُونَا خُطَّةً لَا عَيْبَ فِيهَا ... يُسَوِّي بَيْنَنَا فِيهَا السَّوَاءُ

وَيُفَسَّرُ بِمَعْنَى الْوَسَطِ. قَالَ تَعَالَى: فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ «٣» ، أَيْ فِي وَسَطِهَا.

وَقَالَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ: كَتَبْتُ حَتَّى انْقَطَعَ سِوَايَ، وَقَالَ حَسَّانُ:

يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النَّبِيِّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيَّبِ فِي سَوَاءِ الْمُلْحَدِ

وَبِذَلِكَ فَسَّرَ السَّوَاءَ فِي الْآيَةِ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَفَسَّرَهُ الْفَرَّاءُ بِالْقَصْدِ. وَلَمَّا كَانَتِ الشَّرِيعَةُ تُوَصِّلُ سَالِكَهَا إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى، كَنَّى عَنْهَا بِالسَّبِيلِ، وَجَعَلَ مَنْ حَادَ عَنْهَا: كَالضَّالِّ عَنِ الطَّرِيقِ، وَكَنَّى عَنْ سُؤَالِهِمْ نَبِيَّهُمْ مَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ بِتَبَدُّلِ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ، وَأَخْرَجَ ذَلِكَ فِي صُورَةٍ شَرْطِيَّةٍ، وَصُورَةُ الشَّرْطِ لَمْ تَقَعْ بَعْدُ تَنْفِيرًا عَنْ ذَلِكَ، وَتَبْعِيدًا مِنْهُ. فَوَبَّخَهُمْ أَوَّلًا عَلَى تَعَلُّقِ إِرَادَتِهِمْ بِسُؤَالِ مَا لَيْسَ لَهُمْ سُؤَالُهُ، وَخَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ، ثُمَّ أَدْرَجَهُمْ فِي عُمُومِ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ. وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ، لِأَنَّهُ ضَلَالٌ عَنِ الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ، فَصَارَ صَدْرُ الْآيَةِ إِنْكَارًا وَتَوْبِيخًا، وَعَجُزُهَا تَكْفِيرًا وَضَلَالًا. وَمَا أَدَّى إِلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ وَلَا طَلَبٌ وَلَا إِرَادَةٌ. وَإِدْغَامُ الدَّالِ فِي الضَّادِ مِنَ الإدغام الجائز. وقد قرىء:

فَقَدْ ضَلَّ، بِالْإِدْغَامِ وَبِالْإِظْهَارِ فِي السَّبْعَةِ.

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ: الْمَعْنِيُّ بِكَثِيرٍ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، أَوْ حُيَّيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَأَخُوهُ أَبُو يَاسِرٍ، أَوْ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ حَاوَلُوا الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ، أَوْ فِنْحَاصُ بْنُ عَاذُورَاءَ وَزَيْدُ بْنُ قَيْسٍ وَنَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ حَاوَلُوا حُذَيْفَةَ وَعَمَّارًا فِي رُجُوعِهِمَا إِلَى دِينِهِمْ، أَقْوَالٌ. وَالْقُرْآنُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا، إِنَّمَا أَخْبَرَ بِوِدَادَةِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَالْخِلَافُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَتَخَصَّصَتِ الصِّفَةُ بِقَوْلِهِ: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، فَلِذَلِكَ حَسُنَ حَذْفُ الْمَوْصُوفِ وَإِقَامَةُ الصِّفَةِ مُقَامَهُ. وَالْكِتَابُ هنا: التوراة.


(١) سورة الفاتحة: ١/ ٧.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٦.
(٣) سورة الصافات: ٣٧/ ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>