للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَدِيدٌ، وَلَكِنْ تَرَامٍ مِنَ الْقَوْمِ بِحِجَارَةٍ وَسِهَامٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَمَوُا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ دِيَارَهُمْ. وَعَنِ الْكَلْبِيِّ: ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى سَأَلُوهُ الصُّلْحَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ، وَأَطْعَمُوا كُلَّ خَيْبَرَ.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمْ يَكُنْ فَتْحٌ أَعْظَمَ مِنْ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، اخْتَلَطَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ وَسَمِعُوا كَلَامَهُمْ، وَتَمَكَّنَ الْإِسْلَامُ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَأَسْلَمَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَثُرَ بِهِمْ سَوَادُ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَمَا مَضَتْ تِلْكَ السُّنُونَ إِلَّا وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَكَّةَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ.

وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قَالَ رَجُلٌ مُنْصَرَفَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ: مَا هَذَا الْفَتْحُ؟ لَقَدْ صَدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ هُوَ أَعْظَمُ الْفُتُوحِ، قَدْ رَضِيَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَدْفَعُوكُمْ عَنْ بِلَادِكُمْ بِالرَّاحِ، وَيَسْأَلُونَكُمُ الْقَضِيَّةَ، وَيَرْغَبُوا إِلَيْكُمْ فِي الْأَمَانِ، وَرَأَوْا مِنْكُمْ مَا كَرِهُوا» . وَكَانَ فِي فَتْحِهَا آيَةٌ عَظِيمَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ نُزِحَ مَاؤُهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا قَطْرَةٌ، فَتَمَضْمَضَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مَجَّهُ فِيهَا، فَدَرَّتْ بِالْمَاءِ حَتَّى شَرِبَ جَمِيعُ مَنْ كَانَ مَعَهُ. وَقِيلَ: فَجَاشَ الْمَاءُ حَتَّى امْتَلَأَتْ، وَلَمْ يَنْفَدْ مَاؤُهَا بَعْدُ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَكُونُ فَتْحًا، وَقَدْ أُحْصِرُوا فَنَحَرُوا وَحَلَقُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ؟ قُلْتُ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْهُدْنَةِ، فَلَمَّا طَلَبُوهَا وَتَمَّتْ كَانَ فَتْحًا مبنيا. انْتَهَى. وَفِي هَذَا الْوَقْتِ اتَّفَقَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، وَهُوَ الْفَتْحُ الْأَعْظَمُ، قَالَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَفِيهِ اسْتُقْبِلَ فَتْحُ خَيْبَرَ وَامْتَلَأَتْ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ خَيْرًا، وَلَمْ يَفْتَحْهَا إِلَّا أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يُشْرِكْهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ فَتْحُ خَيْبَرَ.

وَفِي حَدِيثِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا، إِذِ النَّاسُ يَهُزُّونَ الْأَبَاعِرَ، فَقِيلَ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالُوا: أَوْحَى اللَّهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نَرْجُفُ، فَوَجَدْنَا النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ، قَرَأَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ الله عنه: أو فتح هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ» . فَقُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْفَتْحُ: حُصُولُ الْمَقْصُودِ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَكَانَ الصُّلْحُ مِنَ الْفَتْحِ، وَفَتْحُ مَكَّةَ بِغَيْرِ قِتَالٍ، فَتَنَاوَلَ الْفَتْحَيْنِ: الْحُدَيْبِيَةَ وَمَكَّةَ. وَقِيلَ: فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَالنُّبُوَّةِ وَالدَّعْوَةِ بِالْحُجَّةِ وَالسَّيْفِ، وَلَا فَتْحَ أَبْيَنُ مِنْهُ وَأَعْظَمُ، وَهُوَ رَأْسُ الْفُتُوحِ كُلِّهَا، إِذْ لَا فَتْحَ مِنْ فُتُوحِ الْإِسْلَامِ إِلَّا وَهُوَ تَحْتَهُ وَمُتَشَعِّبٌ مِنْهُ. وَقِيلَ: قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً بَيِّنًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>