للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ، وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ، فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ.

هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. وَمُنَاسَبَتُهَا لِآخِرِ مَا قَبْلَهَا أَنَّهُ قَالَ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ «١» .

وَقَالَ أَوَّلَ هَذِهِ بَعْدَ الْقَسَمِ: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ، وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ.

وَالذَّارِياتِ: الرِّيَاحُ: فَالْحامِلاتِ السَّحَابُ. فَالْجارِياتِ: الْفُلْكُ.

فَالْمُقَسِّماتِ: الْمَلَائِكَةُ، هَذَا تَفْسِيرُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَدْ سَأَلَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: فَالْحامِلاتِ هِيَ السُّفُنُ الْمُوَقَّرَةُ بِالنَّاسِ وَأَمْتَاعِهِمْ. وَقِيلَ: الْحَوَامِلُ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ. وَقِيلَ: الْجَارِيَاتُ: السَّحَابُ بِالرِّيَاحِ.

وَقِيلَ: الْجَوَارِي مِنَ الْكَوَاكِبِ، وَأَدْغَمَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالذَّارِياتِ فِي ذَالِ ذَرْواً، وَذَرْوُهَا: تَفْرِيقُهَا لِلْمَطَرِ أَوْ لِلتُّرَابِ. وقرىء: بفتح الواو وتسمية لِلْمَحْمُولِ بِالْمَصْدَرِ. وَمَعْنَى يُسْراً: جَرْيًا ذَا يُسْرٍ، أَيْ سُهُولَةٍ. فَيُسْرًا مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ، فَهُوَ عَلَى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. أَمْراً تُقَسِّمُ الْأُمُورَ مِنَ الْأَمْطَارِ وَالْأَرْزَاقِ وَغَيْرِهَا، فَأَمْرًا مَفْعُولٌ بِهِ. وَقِيلَ: مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ مَأْمُورَةً، وَمَفْعُولُ الْمُقَسِّمَاتِ مَحْذُوفٌ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَوَلَّى أَمْرَ الْعِبَادِ جِبْرِيلُ لِلْغِلْظَةِ، وَمِيكَائِيلُ لِلرَّحْمَةِ، وملك الموت لقبض الأرواح، وَإِسْرَافِيلُ لِلنَّفْخِ. وَجَاءَ فِي الْمَلَائِكَةِ: فَالْمُقَسِّمَاتِ عَلَى مَعْنَى الْجَمَاعَاتِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الرِّيَاحُ لَا غَيْرُ، لِأَنَّهَا تُنْشِئُ السَّحَابَ وَتُقِلُّهُ وَتَصْرِفُهُ وَتَجْرِي فِي الْجَوِّ جَرْيًا سَهْلًا، وَتُقَسِّمُ الْأَمْطَارَ بِتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ. انْتَهَى. فَإِذَا كَانَ الْمَدْلُولُ مُتَغَايِرًا، فَتَكُونُ أَقْسَامًا مُتَعَاقِبَةً. وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَغَايِرٍ، فَهُوَ قِسْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الصِّفَاتِ، أَيْ ذَرَتْ أَوَّلَ هُبُوبِهَا التُّرَابَ وَالْحَصْبَاءَ، فَأَقَلَّتِ السَّحَابَ، فَجَرَتْ فِي الْجَوِّ بَاسِطَةً لِلسَّحَابِ، فَقَسَّمَتِ الْمَطَرَ. فَهَذَا كَقَوْلِهِ:

يَا لَهْفَ زَيَّابَةَ لِلْحَارِثِ الص ... ابح فَالْغَانِمِ فَالْآيِبِ

أَيِ: الَّذِي صَبَّحَ الْعَدُوَّ فَغَنِمَ مِنْهُمْ، فَآبَ إِلَى قَوْمِهِ سَالِمًا غَانِمًا. وَالْجُمْلَةُ الْمُقْسَمُ عَلَيْهَا، وَهِيَ جَوَابُ الْقَسَمِ، هِيَ إِنَّما تُوعَدُونَ، وَمَا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ تُوعَدُونَهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أَيْ إِنَّهُ وَعْدُكُمْ أَوْ وَعِيدُكُمْ، إِذْ يَحْتَمِلُ توعدون


(١) سورة ق: ٥٠/ ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>