للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُرْساها

«١» ، وأَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ، فَيَكُونُ الظَّرْفُ مَحَلًّا لِلْمَصْدَرِ، وَانْتَصَبَ يَوْمَهُمْ بِمُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: هُوَ كَائِنٌ، أَيِ الْجَزَاءُ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هُوَ يَوْمُهُمْ، وَالْفَتْحَةُ فَتْحَةُ بِنَاءٍ لِإِضَافَتِهِ إِلَى غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ، وَهِيَ الْجُمْلَةُ الْإِسْمِيَّةُ. وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ والزعفراني. يَوْمَ هُمْ بِالرَّفْعِ، وَإِذَا كَانَ ظَرْفًا جَازَ أَنْ تَكُونَ الْحَرَكَةُ فِيهِ حَرَكَةَ إِعْرَابٍ وَحَرَكَةَ بِنَاءٍ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى إِضَافَةِ الظَّرْفِ الْمُسْتَقْبَلِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْإِسْمِيَّةِ فِي غَافِرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ «٢» . وَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: يَوْمُهُمْ بَدَلٌ مِنْ يَوْمُ الدِّينِ، فَيَكُونُ هُنَا حِكَايَةً مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى الْمَعْنَى، وَيَقُولُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ.

وَلَوْ حَكَى لَفْظَ قَوْلِهِمْ، لَكَانَ التَّرْكِيبُ: يَوْمَ نَحْنُ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ. ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ: أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ذُوقُوا. هذَا الَّذِي: مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَدَلًا مِنْ فِتْنَتَكُمْ، أَيْ ذُوقُوا هَذَا الْعَذَابَ. انْتَهَى، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَالِاسْتِقْلَالُ خَيْرٌ مِنَ الْبَدَلِ. وَمَعْنَى تُفْتَنُونَ: تُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ حَالَ الْكُفَّارِ، ذَكَرَ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ، وَانْتَصَبَ آخِذِينَ عَلَى الْحَالِ، أَيْ قَابِلِيهِ رَاضِينَ بِهِ، وَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِذِينَ: أَيْ فِي دُنْيَاهُمْ، مَا آتاهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَشَرْعِهِ، فَالْحَالُ مَحْكِيَّةٌ لِتَقَدُّمِهَا فِي الزَّمَانِ عَلَى كَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَلِيلًا ظَرْفٌ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ، أَيْ كَانُوا فِي قَلِيلٍ مِنَ اللَّيْلِ.

وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ كَانُوا يَهْجَعُونَ هُجُوعًا قَلِيلًا، وَمَا زَائِدَةٌ فِي كِلَا الْإِعْرَابَيْنِ. وَفَسَّرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ذَلِكَ فَقَالَ: كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَلَا يَدُلُّ لَفْظُ الْآيَةِ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ: كَانُوا يُصِيبُونَ مِنَ اللَّيْلِ حَظًّا. وَقَالَ مُطَرِّفٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ: قَلَّ لَيْلَةٌ أَتَتْ عَلَيْهِمْ هُجُوعًا كُلُّهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَابَدُوا قِيَامَ اللَّيْلِ لَا يَنَامُونَ مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كانُوا قَلِيلًا، أَيْ فِي عَدَدِهِمْ، وَثُمَّ خَبَرُ كَانَ، ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، فَمَا نَافِيَةٌ، وَقَلِيلًا وَقْفٌ حَسَنٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ تَفْكِيكٌ لِلْكَلَامِ، وَتَقَدَّمَ مَعْمُولُ الْعَامِلِ الْمَنْفِيِّ بِمَا عَلَى عَامِلِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَلَوْ كَانَ ظَرْفًا أَوْ مَجْرُورًا. وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، وَجَاءَ فِي الشِّعْرِ قَوْلُهُ:

إِذَا هِيَ قَامَتْ حَاسِرًا مُشْمَعِلَّةً ... يَحْسَبُ الْفُؤَادُ رَأْسَهَا مَا تُقَنَّعُ


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٨٧، وسورة النازعات: ٧٩/ ٤٢.
(٢) سورة غافر: ٤٠/ ١٦. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>