فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، فَأَحْرَى أولاد الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: الْآيَةُ فِي الْكِبَارِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ.
وَقَالَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ هِيَ فِي الصِّغَارِ لَا فِي الْكِبَارِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الَّذِينَ آمَنُوا:
الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَالذُّرِّيَّةُ: التَّابِعُونَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: إِنْ كَانَ الْآبَاءُ أَرْفَعَ دَرَجَةً، رَفَعَ اللَّهُ الْأَبْنَاءَ إِلَيْهِمْ، فَالْآبَاءُ دَاخِلُونَ فِي اسْمِ الذُّرِّيَّةِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: الْمَعْنَى: أَعْطَيْنَاهُمْ أُجُورَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ، وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ كَذَلِكَ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالَّذِينَ آمَنُوا، مَعْطُوفٌ عَلَى حُورٍ عِينٍ. أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِالْحُورِ الْعِينِ وَبِالَّذِينَ آمَنُوا: أَيْ بِالرُّفَقَاءِ وَالْجُلَسَاءِ مِنْهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ «١» ، فَيَتَمَتَّعُونَ تَارَةً بِمُلَاعَبَةِ الْحُورِ، وَتَارَةً بِمُؤَانَسَةِ الْإِخْوَانِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ قَالَ: فَيَجْمَعُ اللَّهُ لَهُمْ أَنْوَاعَ السُّرُورِ بِسَعَادَتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَبِمُزَاوَجَةِ الْحُورِ الْعِينِ، وَبِمُؤَانَسَةِ الْإِخْوَانِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبِاجْتِمَاعِ أَوْلَادِهِمْ بِهِمْ وَنَسْلِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ: أَيْ بِسَبَبِ إِيمَانٍ عَظِيمٍ رَفِيعِ الْمَحَلِّ، وَهُوَ إِيمَانُ الْآبَاءِ، أَلْحَقْنَا بِدَرَجَاتِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَسْتَأْهِلُونَهَا، تَفَضُّلًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى آبَائِهِمْ، لِنُتِمَّ سُرُورَهُمْ وَنُكَمِّلَ نَعِيمَهُمْ. فَإِنْ قُلْتَ: مَا مَعْنَى تَنْكِيرِ الْإِيمَانِ؟ قُلْتُ: مَعْنَاهُ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ إِيمَانٌ خَاصٌّ عَظِيمُ الْمَنْزِلَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ إِيمَانُ الذُّرِّيَّةِ الدَّانِي الْمَحَلِّ، كَأَنَّهُ قَالَ: بِشَيْءٍ مِنَ الْإِيمَانِ لَا يُؤَهِّلُهُمْ لِدَرَجَةِ الْآبَاءِ أَلْحَقْنَاهُمْ بِهِمْ. انْتَهَى.
وَلَا يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّ وَالَّذِينَ مَعْطُوفٌ عَلَى بِحُورٍ عِينٍ غَيْرُ هَذَا الرَّجُلِ، وَهُوَ تَخَيُّلٌ أَعْجَمِيٌّ مُخَالِفٌ لِفَهْمِ الْعَرَبِيِّ الْقُحِّ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَالْأَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيُعَضِّدُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ، لِأَنَّ الْآيَاتِ كُلَّهَا فِي صِفَةِ إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَةِ إِحْسَانِهِ أَنَّهُ يَرْعَى الْمُحْسِنَ فِي الْمُسِيءِ. وَلَفْظَةُ أَلْحَقْنا تَقْتَضِي أَنَّ لِلْمُلْحَقِ بَعْضَ التَّقْصِيرِ فِي الْأَعْمَالِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: وَأَتْبَعْنَاهُمْ وَبَاقِي السَّبْعَةِ:
وَاتَّبَعَتْهُمْ وَأَبُو عمرو: وذرياتهم جَمْعًا نَصْبًا وَابْنُ عَامِرٍ: جَمْعًا رَفْعًا وَبَاقِي السَّبْعَةِ:
مُفْرَدًا وَابْنُ جُبَيْرٍ: وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَلَتْناهُمْ، بِفَتْحِ اللَّامِ، مِنْ أَلَاتَ وَالْحَسَنُ وَابْنُ كَثِيرٍ: بِكَسْرِهَا وَابْنُ هُرْمُزٍ: آلَتْنَاهُمْ، بِالْمَدِّ مَنْ آلَتَ، عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيٌّ: لِتْنَاهُمْ مِنْ لَاتَ، وَهِيَ قِرَاءَةُ طَلْحَةَ وَالْأَعْمَشِ وَرُوِيَتْ عَنْ شِبْلٍ وَابْنِ كَثِيرٍ، وَعَنْ طَلْحَةَ والأعمش
(١) سورة الحجر: ١٥/ ٤٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute