للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عَنِ الْهَوى: أَيْ عَنْ هَوَى نَفْسِهِ وَرَأْيِهِ. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يُوحى إِلَيْهِ. وَقِيلَ: وَما يَنْطِقُ: أَيِ الْقُرْآنُ، عَنْ هَوًى وَشَهْوَةٍ، كَقَوْلِهِ: هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ «١» . إِنْ هُوَ: أَيِ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ. أَوْ إِنْ هُوَ: أَيِ الْقُرْآنُ. عَلَّمَهُ: الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ، أَيْ عَلَّمَهُ الْوَحْيَ. أَوْ عَلَى الْقُرْآنِ، فَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ، أَيْ عَلَّمَهُ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

شَدِيدُ الْقُوى: هُوَ جِبْرِيلُ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْأَوْصَافِ الَّتِي بَعْدَهُ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: شَدِيدُ الْقُوى: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ بَعِيدٌ.

ذُو مِرَّةٍ: ذُو قُوَّةٍ، وَمِنْهُ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ. وَقِيلَ: ذُو هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ. وَقِيلَ: هُوَ جِسْمٌ طَوِيلٌ حَسَنٌ. وَلَا يُنَاسِبُ هَذَانِ الْقَوْلَانِ إِلَّا إِذَا كَانَ شَدِيدُ الْقُوَى هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَاسْتَوى: الضَّمِيرُ لِلَّهِ فِي قوله الْحَسَنِ، وَكَذَا وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى لِلَّهِ تَعَالَى، عَلَى مَعْنَى الْعَظَمَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ. وَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ:

فَاسْتَوى: أَيْ جِبْرِيلُ فِي الْجَوِّ، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى، إِنْ رَآهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِحِرَاءٍ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، وَحِينَئِذٍ دَنَا مِنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى كَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ، وَكَذَلِكَ هُوَ الْمَرْئِيُّ فِي النَّزْلَةِ الْأُخْرَى بِسِتِّمِائَةِ جَنَاحٍ عِنْدَ السِّدْرَةِ، قَالَهُ الرَّبِيعُ وَالزَّجَّاجُ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: وَالْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى فَاسْتَوَى جِبْرِيلُ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ، يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وفي هَذَا التَّأْوِيلِ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ. وَقَدْ يُقَالُ:

الضَّمِيرُ فِي اسْتَوَى لِلرَّسُولِ، وَهُوَ لِجِبْرِيلَ، وَالْأَعْلَى لِعِمَّةِ الرَّأْسِ وَمَا جَرَى مَعَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ أُفُقُ مَشْرِقِ الشَّمْسِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَاسْتَوى: فَاسْتَقَامَ عَلَى صُورَةِ نَفْسِهِ الْحَقِيقِيَّةِ دُونَ الصُّورَةِ الَّتِي كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَا كُلَّمَا هَبَطَ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ يَنْزِلُ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ أَنْ يَرَاهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا، فَاسْتَوَى لَهُ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَهُوَ أُفُقُ الشَّمْسِ، فَمَلَأَ الْأُفُقَ. وَقِيلَ: مَا رَآهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي صُورَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ غَيْرُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّةً فِي الْأَرْضِ، وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ. ثُمَّ دَنا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَدَلَّى: فَتَعَلَّقَ عَلَيْهِ فِي الْهَوَى. وَكَانَ مِقْدَارُ مَسَافَةِ قُرْبِهِ مِنْهُ مِثْلَ قابَ قَوْسَيْنِ، فَحُذِفَتْ هَذِهِ الْمُضَافَاتُ، كَمَا قَالَ أَبُو علي في قوله:


(١) سورة الجاثية: ٤٥/ ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>