يَخْتَرِعُهَا لَهَا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَنَسٌ وَمَسْرُوقٌ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ: ذَلِكَ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ كَانَ يَغْشَاهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ذَلِكَ تَبَدُّلُ أَغْصَانِهَا دُرًّا وَيَاقُوتًا.
وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «رَأَيْتُ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْ وَرَقِهَا مَلَكًا قَائِمًا يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى» .
وَأَيْضًا: يَغْشَاهَا رَفْرَفٌ أَخْضَرُ، وَأَيْضًا:
تَغْشَاهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَغْشَاهَا نُورُ الْخَلَّاقِ. وَعَنِ الْحَسَنِ: غَشِيَهَا نُورُ رَبِّ الْعِزَّةِ فَاسْتَنَارَتْ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: غَشِيَهَا رَبُّ الْعِزَّةِ، أَيْ أَمْرُهُ، كَمَا
جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا، فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ
، وَنَظِيرُ هَذَا الْإِبْهَامِ لِلتَّعْظِيمِ:
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى
، وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى فَغَشَّاها مَا غَشَّى.
مَا زاغَ الْبَصَرُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا مَالَ هَكَذَا وَلَا هَكَذَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ أَثْبَتَ مَا رَآهُ إِثْبَاتًا مُسْتَيْقِنًا صَحِيحًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيغَ بَصَرُهُ أَوْ يَتَجَاوَزَهُ، إِذْ مَا عَدَلَ عَنْ رُؤْيَةِ الْعَجَائِبِ الَّتِي أُمِرَ بِرُؤْيَتِهَا وَمُكِّنَ مِنْهَا، وَما طَغى: وَمَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِرُؤْيَتِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَما طَغى: وَلَا تَجَاوَزَ الْمَرْئِيَّ إِلَى غَيْرِهِ، بَلْ وَقَعَ عَلَيْهِ وُقُوعًا صَحِيحًا، وَهَذَا تَحْقِيقٌ لِلْأَمْرِ، وَنَفْيٌ لِلرَّيْبِ عَنْهُ. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، قِيلَ: الْكُبْرَى مَفْعُولُ رَأَى، أَيْ رَأَى الْآيَاتِ الْكُبْرَى وَالْعُظْمَى الَّتِي هِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّهِ، أَيْ حِينَ رَقِيَ إِلَى السَّمَاءِ رَأَى عَجَائِبَ الْمَلَكُوتِ، وَتِلْكَ بَعْضُ آيَاتِ اللَّهِ. وَقِيلَ: مِنْ آياتِ هُوَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ، والكبرى صفة لآياته رَبِّهِ، وَمِثْلُ هَذَا الْجَمْعِ يُوصَفُ بِوَصْفِ الْوَاحِدَةِ، وَحُسْنُ ذَلِكَ هُنَا كَوْنُهَا فَاصِلَةً، كَمَا فِي قَوْلِهِ: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى «١» ، عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا صِفَةً لِآيَاتِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ: أَيْ رَفْرَفٍ أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا فِي السَّمَاءِ.
أَفَرَأَيْتُمُ: خِطَابٌ لِقُرَيْشٍ. وَلَمَّا قَرَّرَ الرِّسَالَةَ أَوَّلًا، وَأَتْبَعَهُ مِنْ ذِكْرِ عَظَمَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ بِذِكْرِ التَّوْحِيدِ وَالْمَنْعِ عَنِ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَقَفَهُمْ عَلَى حَقَارَةِ مَعْبُودَاتِهِمْ، وَهِيَ الْأَوْثَانُ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهَا قُدْرَةٌ. وَاللَّاتُ: صَنَمٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تُعَظِّمُهُ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ بِالطَّائِفِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ: كَانَ فِي الْكَعْبَةِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ بِنَخْلَةٍ عِنْدَ سُوقِ عُكَاظٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَوْلُ قَتَادَةَ أَرْجَحُ، ويؤيده قوله الشَّاعِرِ:
وَفَرَّتْ ثَقِيفٌ إِلَى لَاتِهَا ... بِمُنْقَلِبِ الْخَائِبِ الْخَاسِرِ
انتهى.
(١) سورة طه: ٢٠/ ٢٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute