وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالْكَلْبِيُّ: كُلُّ ذَنْبٍ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ حَدًّا وَلَا عَذَابًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَابْنُ زَيْدٍ: مَا أَلَمُّوا بِهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ: أَنَّ سَبَبَ الْآيَةِ قَوْلُ الْكُفَّارِ لِلْمُسْلِمِينَ: قَدْ كُنْتُمْ بِالْأَمْسِ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَنَا، فَنَزَلَتْ، وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ «١» . وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي نَبْهَانَ التَّمَّارِ، وَحَدِيثُهُ مَشْهُورٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: الْعَلَقَةُ وَالسَّقْطَةُ دُونَ دَوَامٍ، ثُمَّ يَتُوبُ مِنْهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْخَمْرُ، ثُمَّ لَا يَعُودُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: مَا خَطَرَ عَلَى الْقَلْبِ. وَقَالَ نِفْطَوَيْهِ: مَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ. وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: الْهَمُّ بِالذَّنْبِ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ دُونَ أَنْ يُوَاقِعَ. وَقِيلَ: نَظْرَةُ الْفَجْأَةِ.
إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ، حَيْثُ يُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
وَالْكَبَائِرَ بِالتَّوْبَةِ. انْتَهَى، وَفِيهِ نَزْغَةُ الِاعْتِزَالِ.
هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ: قِيلَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ عَظَّمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَإِذَا مَاتَ طِفْلٌ لَهُمْ قَالُوا: هَذَا صِدِّيقٌ عِنْدَ اللَّهِ. وَقِيلَ: فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَخَرُوا بِأَعْمَالِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِطَابٌ عَامٌّ، وَأَعْلَمُ عَلَى بَابِهَا مِنَ التَّفْضِيلِ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: بِمَعْنَى عَالِمٌ بِكُمْ، وَلَا ضَرُورَةَ إِلَى إِخْرَاجِهَا عَنْ أَصْلِ مَوْضُوعِهَا. كَأَنَّ مَكِّيًّا رَاعَى عَمَلَ أَعْلَمَ فِي الظَّرْفِ الَّذِي هُوَ: إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَالظَّاهِرُ أن المراد بأنشأكم: أَنْشَأَ أَصْلَكُمْ، وَهُوَ آدَمُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْ فَضْلَةِ الْأَغْذِيَةِ الَّتِي مَنْشَؤُهَا مِنَ الْأَرْضِ، فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ: أَيْ لَا تَنْسُبُوهَا إِلَى زَكَاءِ الْأَعْمَالِ وَالطَّهَارَةِ عَنِ الْمَعَاصِي، وَلَا تُثْنُوا عَلَيْهَا وَاهْضِمُوهَا، فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْكُمُ الزَّكِيَّ وَالتَّقِيَّ قَبْلَ إِخْرَاجِكُمْ مِنْ صُلْبِ آدَمَ، وَقَبْلَ إِخْرَاجِكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ.
وَكَثِيرًا مَا تَرَى مِنَ الْمُتَصَلِّحِينَ، إِذَا حَدَّثُوا، كَانَ وِرْدُنَا الْبَارِحَةَ كَذَا، وَفَاتَنَا مِنْ وِرْدِنَا الْبَارِحَةَ، أَوْ فَاتَنَا وِرْدُنَا، يُوهِمُونَ النَّاسَ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ بِاللَّيْلِ. وَتَرَى لِبَعْضِهِ فِي جَبِينِهِ سَوَادًا يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ، وَلِبَعْضِهِمُ احْتِضَارُ النِّيَّةِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ، فَيُحَرِّكُ يَدَيْهِ مِرَارًا، وَيُصْعَقُ حَتَّى يَنْزَعِجَ مَنْ بِجَانِبِهِ، وَكَأَنَّهُ يَخْطِفُ شَيْئًا بِيَدَيْهِ وَقْتَ التَّحْرِيكَةِ الْأَخِيرَةِ، يُوهِمُ أَنَّهُ يُحَافِظُ عَلَى تَحْقِيقِ النِّيَّةِ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِي حَلِفِهِ: وَحَقِّ الْبَيْتِ الَّذِي زُرْتُ، يُعْلِمُ أَنَّهُ حَاجٌّ، وَإِذَا لَاحَ لَهُ فَلْسٌ يَثِبُ عَلَيْهِ وُثُوبَ الْأَسَدِ عَلَى الْفَرِيسَةِ، وَلَا يَلْحَقُهُ شَيْءٌ مِنَ الْوَسْوَاسِ، وَلَا مِنْ إِحْضَارِ النِّيَّةِ فِي أَخْذِهِ، وَتَرَاهُ يُحِبُّ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِالْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي
(١) سورة النساء: ٤/ ٢٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute