للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَامِ بْنِ نُوحٍ وَعَادٌ الثَّانِيَةُ: مِنْ وَلَدِ عَادٍ الْأُولَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: عَادًا الْأُولى، بِتَنْوِينِ عَادًا وَكَسْرِهِ لِالْتِقَائِهِ سَاكِنًا مَعَ سُكُونِ لَامِ الْأُولَى وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ اللَّامِ. وَقَرَأَ قَوْمٌ كَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى اللَّامِ وَحَذَفُوا الْهَمْزَةَ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: بِإِدْغَامِ التَّنْوِينِ فِي اللَّامِ الْمَنْقُولِ إِلَيْهَا حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ الْمَحْذُوفَةِ، وَعَادٍ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ لِلْمَازِنِيِّ وَالْمُبَرِّدِ. وَقَالَتِ الْعَرَبُ فِي الِابْتِدَاءِ بَعْدَ النَّقْلِ: الْحُمُرُ وَلُّحُمُرُ، فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ جَاءَتْ عَلَى الحمر، فَلَا عَيْبَ فِيهَا، وَهَمَزَ قَالُونُ عَيْنَ الْأُولَى بَدَلَ الْوَاوِ السَّاكِنَةِ. وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الضَّمَّةِ وَالْوَاوِ حَائِلٌ، تَخَيَّلَ أَنَّ الضَّمَّةَ عَلَى الْوَاوِ فَهَمَزَهَا، كَمَا قَالَ:

أَحَبُّ الْمُؤْقِدِينَ إِلَيَّ مُؤْسَى وَكَمَا قَرَأَ بَعْضُهُمْ: عَلَى سُؤْقِهِ، وَهُوَ تَوْجِيهُ شُذُوذٍ، وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ عَادَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ جَعَلَهُ اسْمَ قَبِيلَةٍ، فَمَنَعَهُ الصَّرْفَ للتأنيث والعملية، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّأْنِيثِ وَصْفُهُ بِالْأُولَى.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَثَمُودًا مَصْرُوفًا، وَقَرَأَهُ غَيْرَ مَصْرُوفٍ: الْحَسَنُ وَعَاصِمٌ وَعِصْمَةُ. فَما أَبْقى: الظَّاهِرُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ أَبْقَى يَرْجِعُ إِلَى عَادٍ وَثَمُودَ مَعًا، أَيْ فَمَا أَبْقَى عَلَيْهِمْ، أَيْ أَخَذَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ. وَقِيلَ: فَما أَبْقى: أَيْ فَمَا أَبْقَى مِنْهُمْ عَيْنًا تَطْرُفُ. وَقَالَ ذَلِكَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ حِينَ قِيلَ لَهُ إِنَّ ثَقِيفًا مِنْ نَسْلِ ثَمُودَ، فَقَالَ: قال الله تعالى: وَثَمُودَ فَما أَبْقى، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: بَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ، وَالظَّاهِرُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ ثَمُودَ كَانَ قَدْ آمَنَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ بِصَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَمَا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ مَعَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ.

وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ: أَيْ مِنْ قَبْلِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَكَانُوا أَوَّلَ أُمَّةٍ كَذَّبَتْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَنُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلُ الرُّسُلِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي إِنَّهُمْ عَائِدٌ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ، وَجَعَلَهُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي غَايَةِ الْعُتُوِّ وَالْإِيذَاءِ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَضْرِبُونَهُ حَتَّى لَا يَكَادُ يَتَحَرَّكُ، وَلَا يَتَأَثَّرُونَ لِشَيْءٍ مِمَّا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: دَعَاهُمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، كُلَّمَا هَلَكَ قَرْنٌ نَشَأَ قَرْنٌ، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ بِيَدِ ابْنِهِ يَتَمَشَّى بِهِ إِلَيْهِ، يُحَذِّرُهُ مِنْهُ وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ إِنَّ أَبِي مَشَى بِي إِلَى هَذَا وَلَنَا مِثْلُكَ يَوْمَئِذٍ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُصَدِّقَهُ، فَيَمُوتُ الْكَبِيرُ عَلَى الْكُفْرِ، وَيَنْشَأُ الصَّغِيرُ عَلَى وَصِيَّةِ أَبِيهِ.

وقيل: الضمير فِي إِنَّهُمْ عَائِدٌ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ نُوحٍ، أَيْ كَانُوا أَكْفَرَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَطْغَى، فَفِي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَصْلًا، لِأَنَّهُ وَاقِعٌ بَيْنَ مَعْرِفَةٍ وَأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، وَحُذِفَ الْمَفْضُولُ بَعْدَ الْوَاقِعِ خَبَرًا لِكَانَ، لِأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، وَحَذْفُهُ فَصِيحٌ فِيهِ، فَكَذَلِكَ فِي خَبَرِ كَانَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>