طَالِبِ خَيْرٍ؟ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: فَهَلْ مِنْ مُزْدَجِرٍ عَنِ الْمَعَاصِي؟ وَقِيلَ: لِلذِّكْرِ: لِلْحِفْظِ، أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ، لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ حُسْنِ النَّظْمِ وَسَلَامَةِ اللَّفْظِ، وَعُرُوِّهِ عَنِ الْحَشْوِ وَشَرَفِ الْمَعَانِي وَصِحَّتِهَا، فَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْقُلُوبِ. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ: أَيْ مِنْ طَالِبٍ لِحِفْظِهِ لِيُعَانَ عَلَيْهِ، وَتَكُونُ زَوَاجِرُهُ وَعُلُومُهُ حَاضِرَةً فِي النَّفْسِ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: لَمْ يُسْتَظْهَرْ شَيْءٌ مِنَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ غَيْرَ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: يَسَّرْنَا: هَيَّأْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ، كَقَوْلِهِمْ: يَسَّرَ نَاقَتَهُ لِلسَّفَرِ إِذَا رَحَّلَهَا، وَيَسَّرَ فَرَسَهُ لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَقُمْتُ إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسَّرًا ... هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ، تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ، فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ، أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ، سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ، إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ، وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ، فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.
تَقَدَّمَتْ قِصَّةُ عَادٍ مُطَوَّلَةً وَمُتَوَسِّطَةً، وَهُنَا ذَكَرَهَا تَعَالَى مُوجَزَةً، كَمَا ذَكَرَ قِصَّةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُوجَزَةً. وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْمِ نُوحٍ عِلْمٌ، ذَكَرَ قَوْمُ مُضَافًا إِلَى نُوحٍ. وَلَمَّا كَانَتْ عَادٌ عَلَمًا لِقَوْمِ هُودٍ، ذَكَرَ الْعَلَمَ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الذِّكْرِ مِنَ التَّعْرِيفِ بِالْإِضَافَةِ. وَتَكَرَّرَ التَّهْوِيلُ بِالِاسْتِفْهَامِ قَبْلَ ذِكْرِ مَا حَلَّ بِهِمْ وَبَعْدَهُ، لِغَرَابَةِ مَا عُذِّبُوا بِهِ مِنْ الرِّيحِ، وَانْفِرَادِهِمْ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْعَذَابِ، وَلِأَنَّ الِاخْتِصَارَ دَاعِيَةُ الِاعْتِبَارِ وَالتَّدَبُّرِ وَالصَّرْصَرِ الْبَارِدَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ، الْمُصَوِّتَةُ وَالْجُمْهُورُ: عَلَى إِضَافَةِ يَوْمٍ إِلَى نَحْسٍ، وَسُكُونِ الْحَاءِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: بِتَنْوِينِ يَوْمٍ وَكَسْرِ الْحَاءِ، جَعَلَهُ صِفَةً لِلْيَوْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ «١» . مُسْتَمِرٍّ، قَالَ قَتَادَةُ: اسْتَمَرَّ بِهِمْ حَتَّى بَلَّغَهُمْ جَهَنَّمَ. وَعَنِ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ: كَانَ مَرًّا عَلَيْهِمْ. وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ يَوْمًا مُعَيَّنًا، بَلْ أُرِيدَ بِهِ الزَّمَانُ وَالْوَقْتُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فِي وَقْتِ نَحْسٍ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي سُورَةِ
(١) سورة فصلت: ٤١/ ١٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute