عَلَيْهَا. وَالَّذِي أَذْهَبُ إِلَيْهِ: أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ الَّتِي فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ هُوَ الْمُتَشَابِهُ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، وَسَائِرُ كَلَامِهِ تَعَالَى مُحْكَمٌ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْيَزِيدِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُحْدَثِينَ، قَالُوا: هِيَ سِرُّ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ، وَهِيَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي انْفَرَدَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، وَلَا يَجِبُ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا، وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهَا وَتَمُرُّ كَمَا جَاءَتْ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: بَلْ يَجِبُ أَنْ يُتَكَلَّمَ فِيهَا وَتُلْتَمَسَ الْفَوَائِدُ الَّتِي تَحْتَهَا، وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالصَّوَابُ مَا قَالَ الْجُمْهُورُ، فَنُفَسِّرُ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَنَلْتَمِسُ لَهَا التَّأْوِيلَ لِأَنَّا نَجِدُ الْعَرَبَ قَدْ تَكَلَّمَتْ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ نَظْمًا وَوَضْعًا بَدَلَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي الْحُرُوفُ مِنْهَا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافِ ... أَرَادَ قَالَتْ وَقَفْتُ
وَكَقَوْلِ الْقَائِلِ:
بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٌ وَإِنْ شَرُفَا ... وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَآ
أَرَادَ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَأَرَادَ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ: وَالشَّوَاهِدُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ فَلَيْسَ كَوْنُهَا فِي الْقُرْآنِ مِمَّا تُنْكِرُهُ الْعَرَبُ فِي لُغَتِهَا، فَيَنْبَغِي إِذَا كَانَ مِنْ مَعْهُودِ كَلَامِ الْعَرَبِ، أَنْ يُطْلَبَ تَأْوِيلُهُ وَيُلْتَمَسَ وَجْهُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا أَنْشَدَ وَبَيْنَ هَذِهِ الْحُرُوفِ، وَقَدْ أَطَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْحُرُوفِ بِمَا لَيْسَ يَحْصُلُ مِنْهُ كَبِيرُ فَائِدَةٍ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ، وَلَا يَقُومُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ دَعَاوِيهِ بُرْهَانٌ. وَقَدْ تَكَلَّمَ الْمُعْرِبُونَ عَلَى هَذِهِ الْحُرُوفِ فَقَالُوا: لَمْ تُعْرَبْ حُرُوفُ التَّهَجِّي لِأَنَّهَا أَسْمَاءُ مَا يُلْفَظُ، فَهِيَ كَالْأَصْوَاتِ فَلَا تُعْرَبُ إِلَّا إِذَا أَخْبَرْتَ عَنْهَا أَوْ عَطَفْتَهَا فَإِنَّكَ تُعْرِبُهَا، وَيَحْتَمِلُ مَحَلُّهَا الرَّفْعَ عَلَى الْمُبْتَدَأِ أَوْ عَلَى إِضْمَارِ الْمُبْتَدَأِ، وَالنَّصْبَ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، وَالْجَرَّ عَلَى إِضْمَارِ حَرْفِ الْقَسَمِ، هَذَا إِذَا جَعَلْنَاهَا اسْمًا لِلسُّوَرِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنِ اسْمًا لِلسُّوَرِ فَلَا مَحَلَّ لَهَا، لِأَنَّهَا إِذْ ذَاكَ كَحُرُوفِ الْمُعْجَمِ أو ردت مُفْرَدَةً مِنْ غَيْرِ عَامِلٍ فَاقْتَضَتْ أَنْ تَكُونَ مُسْتَكِنَّةً كأسماء الأعداد، أو ردتها لِمُجَرَّدِ الْعَدَدِ بِغَيْرِ عَطْفٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّحْوِيُّونَ عَلَى هَذِهِ الْحُرُوفِ عَلَى أَنَّهَا أَسْمَاءُ السُّوَرِ، وَتَكَلَّمُوا عَلَى مَا يُمْكِنُ إِعْرَابُهُ مِنْهَا وَمَا لَا يُمْكِنُ، وَعَلَى مَا إِذَا أُعْرِبَ فَمِنْهُ مَا يُمْنَعُ الصَّرْفَ، وَمِنْهُ مَا لَا يُمْنَعُ الصَّرْفَ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ.
وَقَدْ نُقِلَ خِلَافٌ فِي كَوْنِ هَذِهِ الْحُرُوفِ آيَةً، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: الم آيَةٌ، وَكَذَلِكَ هِيَ آيَةٌ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ ذُكِرَتْ فِيهَا، وَكَذَلِكَ المص وطسم وأخواتها وطه ويس
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute