الْمَيْمَنَةِ، وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ، عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ، مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ، بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ، لَا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ، وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ، وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، وَحُورٌ عِينٌ، كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً، إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً، وَأَصْحابُ الْيَمِينِ، مَا أَصْحابُ الْيَمِينِ، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ، وَماءٍ مَسْكُوبٍ، وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، لَا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ، وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ، إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً، فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً، عُرُباً أَتْراباً، لِأَصْحابِ الْيَمِينِ، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ
. هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وَمُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا تَضَمُّنُ الْعَذَابِ لِلْمُجْرِمِينَ، وَالنَّعِيمِ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَفَاضَلَ بَيْنَ جَنَّتَيْ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَنَّتَيْ بَعْضٍ بِقَوْلِهِ:
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ «١» ، فَانْقَسَمَ الْعَالَمُ بِذَلِكَ إِلَى كَافِرٍ وَمُؤْمِنٍ مَفْضُولٍ وَمُؤْمِنٍ فَاضِلٍ وَهَكَذَا جَاءَ ابْتِدَاءُ هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ كَوْنِهِمْ أَصْحَابَ مَيْمَنَةٍ، وَأَصْحَابَ مَشْأَمَةٍ، وَسِبَاقٍ وَهُمُ الْمُقَرَّبُونَ، وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ وَالْمُكَذِّبُونَ الْمُخْتَتَمُ بِهِمْ آخِرُ هَذِهِ السُّورَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْوَاقِعَةُ مِنْ أَسْمَاءِ الْقِيَامَةِ، كَالصَّاخَّةِ وَالطَّامَّةِ وَالْآزِفَةِ، وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ تَقْتَضِي عِظَمَ شَأْنِهَا، وَمَعْنَى وَقَعَتِ الْواقِعَةُ: أَيْ وَقَعَتِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا، كَمَا تَقُولُ: حَدَثَتِ الْحَادِثَةُ، وَكَانَتِ الْكَائِنَةُ وَوُقُوعُ الْأَمْرِ نُزُولُهُ، يُقَالُ: وَقَعَ مَا كُنْتُ أَتَوَقَّعُهُ: أَيْ نَزَلَ مَا كُنْتُ أَتَرَقَّبُ نُزُولَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْواقِعَةُ: الصَّيْحَةُ، وَهِيَ النَّفْخَةُ فِي الصُّورِ.
وَقِيلَ: الْواقِعَةُ: صَخْرَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالْعَامِلُ فِي إِذَا الْفِعْلُ بَعْدَهَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي كُتُبِ النَّحْوِ، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِإِضَافَةِ إِذَا إِلَيْهَا احْتَاجَ إِلَى تَقْدِيرِ عَامِلٍ، إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ جَوَابٌ مَلْفُوظٌ بِهِ يَعْمَلُ بِهَا. فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: بِمَ انْتَصَبَ إِذًا؟ قُلْتُ: بِلَيْسَ، كَقَوْلِكَ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ لِي شُغْلٌ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ يَعْنِي: إِذَا وَقَعَتْ، كَانَ كَيْتَ وَكَيْتَ، أَوْ بِإِضْمَارِ اذْكُرِ. انْتَهَى.
أَمَّا نَصْبُهَا بِلَيْسَ فَلَا يَذْهَبُ نَحْوِيٌّ وَلَا مَنْ شَدَا شَيْئًا مِنْ صِنَاعَةِ الْإِعْرَابِ إِلَى مِثْلِ هَذَا، لِأَنَّ لَيْسَ فِي النَّفْيِ كَمَا، وَمَا لَا تَعْمَلُ، فَكَذَلِكَ لَيْسَ، وَذَلِكَ أَنَّ لَيْسَ مَسْلُوبَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْحَدَثِ وَالزَّمَانِ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا فِعْلٌ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، لِأَنَّ حَدَّ الفعل لا ينطبق
(١) سورة الرحمن: ٥٥/ ٦٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute