للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى طَهَارَةٍ مِنَ النَّاسِ. وَإِذَا كَانَ الْمُطَهَّرُونَ هُمُ الملائكة، ولا يَمَسُّهُ نَفْيٌ، وَيُؤَيِّدُ الْمَنْفِيَّ مَا يَمَسُّهُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وَإِذَا عُنِيَ بِهِمُ الْمُطَهَّرُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْجَنَابَةِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا مَحْضًا، وَيَكُونَ حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، وَإِنْ كَانَ يَمَسُّهُ غَيْرُ الْمُطَهَّرِ، كَمَا جَاءَ: لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، أَيِ الْحُكْمُ هَذَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقَعُ الْعَضَدُ.

وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا أُرِيدَ بِهِ النَّهْيُ، فَالضَّمَّةُ فِي السِّينِ إِعْرَابٌ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا فَلَوْ فُكَّ ظَهَرُ الْجَزْمُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا أُدْغِمَ كَانَ مَجْزُومًا فِي التَّقْدِيرِ، وَالضَّمَّةُ فِيهِ لِأَجْلِ ضَمَّةِ الْهَاءِ، كَمَا جَاءَ

فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّا لَمْ نرده عليك»

، إلا إنا جُزِمَ، وَهُوَ مَجْزُومٌ، وَلَمْ يَحْفَظْ سِيبَوَيْهِ فِي نَحْوِ هَذَا مِنَ الْمَجْزُومِ الْمُدْغَمِ الْمُتَّصِلِ بِالْهَاءِ ضَمِيرِ الْمُذَكَّرِ إِلَّا الضَّمَّ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَالْقَوْلُ بِأَنَّ لَا يَمَسُّهُ نَهْيٌ، قَوْلٌ فِيهِ ضَعْفٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ خَبَرًا، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ.

وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَنْزِيلٌ صِفَةٌ، فَإِذَا جَعَلْنَاهُ نَهْيًا، جَاءَ مَعْنَاهُ أَجْنَبِيًّا مُعْتَرَضًا بَيْنَ الصِّفَاتِ، وَذَلِكَ لَا يَحْسُنُ فِي وَصْفِ الْكَلَامِ فَتَدَبَّرْهُ. وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا يَمَسُّهُ، وَهَذَا يُقَوِّي مَا رَجَّحْتُهُ مِنَ الْخَبَرِ الَّذِي مَعْنَاهُ حَقُّهُ وَقَدْرُهُ أَنْ لَا يَمَسَّهُ إِلَّا طَاهِرٌ. انْتَهَى.

وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ تَنْزِيلٌ صِفَةً، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَيَحْسُنُ إِذْ ذَاكَ أَنْ يَكُونَ لَا يَمَسُّهُ نَهْيًا. وَذَكَرُوا هَنَا حُكْمَ مَسِّ الْمُصْحَفِ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْفِقْهِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى منع ذلك. وقرأ الجمهور: الْمُطَهَّرُونَ اسْمَ مَفْعُولٍ مِنْ طَهَّرَ مُشَدَّدًا وَعِيسَى: كَذَلِكَ مُخَفَّفًا مِنْ أَطْهَرَ، وَرُوِيَتْ عَنْ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو. وَقَرَأَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: الْمُطَهَّرُونَ، بِخَفِّ الطَّاءِ وَشَدِّ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا: اسْمَ فَاعِلٍ مِنْ طَهَرَ، أَيِ الْمُطَهِّرِينَ أَنْفُسَهُمْ وَعَنْهُ أَيْضًا الْمُطَّهَّرُونَ بِشَدِّهِمَا، أَصْلُهُ الْمُتَطَهِّرُونَ، فَأُدْغِمَ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، وَرُوِيَتْ عَنِ الْحَسَنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عوف. وقرىء: المتطهرون. وقرىء: تَنْزِيلًا بِالنَّصْبِ، أَيْ نُزِّلَ تَنْزِيلًا، وَالْإِشَارَةُ فِي: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ للقرآن، وأَنْتُمْ: خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ، مُدْهِنُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُهَاوِدُونَ فِيمَا لَا يَحِلُّ. وَقَالَ أَيْضًا: مُكَذِّبُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ: أَيْ شُكْرُ مَا رَزَقَكُمُ اللَّهُ مِنْ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَيْكُمْ تَكْذِيبُكُمْ بِهِ، أَيْ تَضَعُونَ مَكَانَ الشُّكْرِ التَّكْذِيبَ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الرَّاجِزِ:

مَكَانُ شُكْرِ الْقَوْمِ عِنْدَ الْمِنَنِ ... كَيُّ الصَّحِيحَاتِ وَفَقْءُ الْأَعْيُنِ

وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ: وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ

، وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ لِمُخَالَفَتِهِ السَّوَادَ. وَحَكَى الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ أَنَّ مِنْ لُغَةِ أزد شنؤه مَا رَزَقَ فُلَانٌ فُلَانًا، بِمَعْنَى: مَا شَكَرَهُ.

قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْأَنْوَاءِ، وَنِسْبَةُ السُّقْيَا إِلَيْهَا، وَالرِّزْقُ: الْمَطَرُ، فَالْمَعْنَى: مَا يَرْزُقُكُمُ اللَّهُ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>