النَّبَاتِ وَالْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ وَغَيْرِهِ، وَما يَعْرُجُ فِيها من الْمَلَائِكَةِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ وَسَيِّئِهَا، وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ: أَيْ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: الْمَعْنَى عِلْمُهُ مَعَكُمْ، وَهَذِهِ آيَةٌ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِيهَا، وَأَنَّهَا لَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنَ الْمَعِيَّةِ بِالذَّاتِ، وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ التَّأْوِيلَ فِي غَيْرِهَا مِمَّا يُجْرَى مَجْرَاهَا مِنِ اسْتِحَالَةِ الْحَمْلِ عَلَى ظَاهِرِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: فِيمَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ تَأْوِيلِ مَا لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَدْ تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَتَأَوَّلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، لَوِ اتَّسَعَ عَقْلُهُ لَتَأَوَّلَ غَيْرَ هَذَا مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تُرْجَعُ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْأَعْرَجُ: مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَالْأُمُورُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ، أَعْرَاضِهَا وَجَوَاهِرِهَا. وَتَقَدَّمَ شَرْحُ مَا قَبْلَ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ، وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ، وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ.
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى تَسْبِيحَ الْعَالَمِ لَهُ، وَمَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِنَ الْمُلْكِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ الصِّفَاتِ الْعُلَا، وَخَتَمَهَا بِالْعَالِمِ بِخَفِيَّاتِ الصُّدُورِ، أَمَرَ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَإِدَامَتِهِ، وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ: أَيْ لَيْسَتْ لَكُمْ بِالْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ إِلَيْكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ. وَكَمَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ تَتْرُكُونَهَا لِغَيْرِكُمْ، وَفِيهِ تَزْهِيدٌ فِيمَا بِيَدِ النَّاسِ، إِذْ مَصِيرُهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْهُ إِلَّا مَا جَاءَ
فِي الْحَدِيثِ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ» .
وَقِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ: لِمَنْ هَذِهِ الْإِبِلُ؟ فَقَالَ: هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدِي. أَوْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى أَنْشَأَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ، فَمَتَّعَكُمْ بِهَا وَجَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا، فَأَنْتُمْ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْوُكَلَاءِ، فَأَنْفِقُوا مِنْهَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى مَا لِلْمُؤْمِنَ الْمُنْفِقِ مِنَ الْأَجْرِ، وَوَصَفَهَ بِالْكَرَمِ لِيَصْرَعَهُ فِي أَنْوَاعِ الثَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute