للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَسَلَّطُ الرَّجَاءُ وَالطَّمَعُ. وَلَمَّا كَانَ ظَنُّ الْيَهُودِ قَوِيًّا جِدًّا يَكَادُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْعِلْمِ تَسَلَّطَ عَلَى أَنَّ الْمُشَدَّدَةِ، وَهِيَ الَّتِي يَصْحَبُهَا غَالِبًا فِعْلُ التَّحْقِيقِ، كَعَلِمْتَ وَتَحَقَّقْتَ وَأَيْقَنْتَ، وَحُصُونُهُمُ الْوَصْمُ وَالْمِيضَاةُ وَالسَّلَالِيمُ وَالْكَثِيبَةُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ قَوْلِكَ:

وَظَنُّوا أَنَّ حُصُونَهُمْ تَمْنَعُهُمْ أَوْ مَانِعَتُهُمْ، وَبَيْنَ النَّظْمِ الَّذِي جَاءَ عَلَيْهِ؟ قُلْتُ: فِي تَقْدِيمِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ دَلِيلٌ عَلَى فَرْطِ وُثُوقِهِمْ بِحَصَانَتِهَا وَمَنْعِهَا إِيَّاهُمْ، وَفِي تَصْيِيرِ ضَمِيرِهِمُ اسْمًا لِأَنَّ وَإِسْنَادِ الْجُمْلَةِ إِلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ فِي عِزَّةٍ وَمَنْعَةٍ لَا يُبَالِي مَعَهَا بِأَحَدٍ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ أَوْ يَطْمَعُ فِي مُعَازَّتِهِمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي قَوْلِكَ: وَظَنُّوا أَنَّ حُصُونَهُمْ تَمْنَعُهُمْ.

انْتَهَى، يَعْنِي أَنَّ حُصُونَهُمْ هُوَ الْمُبْتَدَأُ، وما نعتهم الْخَبَرُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ هَذَا، بَلِ الرَّاجِحُ أَنْ يَكُونَ حُصُونُهُمْ فَاعِلَةً بِمَانِعَتِهِمْ، لِأَنَّ فِي تَوْجِيهِهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَفِي إِجَازَةِ مِثْلِهِ مِنْ نَحْوِ:

قَائِمٌ زَيْدٌ، عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ خِلَافٌ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَنْعُهُ.

فَأَتاهُمُ اللَّهُ: أَيْ بَأْسَهُ، مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا: أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِمْ، وَهُوَ قَتْلُ رَئِيسِهِمْ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، قَالَهُ السُّدِّيُّ وَأَبُو صَالِحٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَذَلِكَ مِمَّا أَضْعَفَ قُوَّتَهُمْ. وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَسَلَبَ قُلُوبَهُمُ الْأَمْنَ وَالطُّمَأْنِينَةَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ قَتَادَةُ: خَرَّبَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ خَارِجٍ لِيَدْخُلُوا، وَخَرَّبُوا هُمْ مِنْ دَاخِلٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ الضَّحَّاكُ وَالزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُمَا: كَانُوا كُلَّمَا خَرَّبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ، هَدَمُوا هُمْ مِنَ الْبُيُوتِ، خَرَّبُوا الْحِصْنَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانُوا، لَمَّا أُبِيحَ لَهُمْ مَا تَسْتَقِلُّ بِهِ الْإِبِلُ، لَا يَدَعُونَ خَشَبَةً حَسَنَةً وَلَا سَارِيَةً إِلَّا قَلَعُوهَا وَخَرَّبُوا الْبُيُوتَ عَنْهَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ إِسْنَادُ التَّخْرِيبِ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ مُحَاصَرَتُهُمْ إِيَّاهُمْ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: شَحُّوا عَلَى بَقَائِهَا سَلِيمَةً، فَخَرَّبُوهَا إِفْسَادًا. وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَالْجَحْدَرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو حَيْوَةَ وَعِيسَى وَأَبُو عمرو: يخربون مُشَدَّدًا وَبَاقِي السَّبْعَةِ مُخَفَّفًا، وَالْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ عُدِّيَ خَرِبَ اللَّازِمُ بِالتَّضْعِيفِ وَبِالْهَمْزَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكَامِلِ فِي الْقِرَاءَاتِ التَّشْدِيدُ الِاخْتِيَارُ عَلَى التَّكْثِيرِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ:

خَرَّبَ بِمَعْنَى هَدَّمَ وَأَفْسَدَ، وَأَخْرَبَ: تَرَكَ الْمَوْضِعَ خَرَابًا وَذَهَبَ عَنْهُ. فَاعْتَبِرُوا: تَفَطَّنُوا لِمَا دَبَّرَ اللَّهُ مِنْ إِخْرَاجِهِمْ بِتَسْلِيطِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ.

وَقِيلَ: وَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُورِثَهُمُ اللَّهُ أَرْضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ، فَقَالَ: فَكَانَ كَمَا قَالَ وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا

: أَيْ لَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى قَضَى أَنَّهُ سَيُجْلِيهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَيَبْقَوْنَ مُدَّةً يُؤْمِنُ بَعْضُهُمْ وَيُولَدُ لِبَعْضِهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>