للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ، وَجَوَابُ إِنْ مَحْذُوفٌ، وَالْكَثِيرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِثْبَاتُ اللَّامِ الْمُؤْذِنَةُ بِالْقَسَمِ قَبْلَ أَدَاةِ الشَّرْطِ، وَمِنْ حَذْفِهَا قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ «١» ، التَّقْدِيرُ: وَلَئِنْ لَمْ يَنْتَهُوا لَكَاذِبُونَ، أَيْ فِي مَوَاعِيدِهِمْ لِلْيَهُودِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ بِالْغَيْبِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَخْرُجُوا حِينَ أُخْرِجَ بَنُو النَّضِيرِ، بَلْ أَقَامُوا فِي دِيَارِهِمْ، وَهَذَا إِذَا كَانَ قَوْلُهُ: لِإِخْوانِهِمُ أَنَّهُمْ بَنُو النَّضِيرِ. وَقِيلَ: هُمْ يَهُودُ الْمَدِينَةِ، وَالضَّمَائِرُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. وَقِيلَ: فِيهَا اخْتِلَافٌ، أَيْ لَئِنْ أُخْرِجَ الْيَهُودُ لَا يَخْرُجُ الْمُنَافِقُونَ، وَلَئِنْ قُوتِلَ الْيَهُودُ لَا يَنْصُرُهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَلَئِنْ نَصَرَ الْيَهُودُ الْمُنَافِقِينَ لَيُوَلِّي الْيَهُودُ الْأَدْبَارَ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ نَظَرَ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَنْصُرُونَهُمْ، فَكَيْفَ يَأْتِي وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ؟ فَأَخْرَجَهُ فِي حَيِّزِ الْإِمْكَانِ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَنْصُرُونَهُمْ، فَلَا يُمْكِنُ نَصْرُهُمْ إِيَّاهُمْ بَعْدَ إِخْبَارِهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ. وَإِذَا كَانَتِ الضَّمَائِرُ مُتَّفِقَةً، فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَاهُ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ عَلَى الْفَرْضِ، وَالتَّقْدِيرُ كَقَوْلِهِ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «٢» ، وَكَمَا يُعْلَمُ مَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْنَاهُ: وَلَئِنْ خَالَفُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَنْهَزِمُونَ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ، وَفِي ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ عَائِدٌ عَلَى الْمَفْرُوضِ أَنَّهُمْ يَنْصُرُونَهُمْ، أَيْ وَلَئِنْ نَصَرَهُمُ الْمُنَافِقُونَ لَيُوَلُّنَّ الْمُنَافِقُونَ الْأَدْبَارَ، ثُمَّ لَا يُنْصَرُ الْمُنَافِقُونَ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي التَّوَلِّي عَائِدٌ عَلَى الْيَهُودِ، وَكَذَا فِي لَا يُنْصَرُونَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَجَاءَتِ الْأَفْعَالُ غَيْرَ مَجْزُومَةٍ فِي قوله:

لا يَخْرُجُونَ ولا يُنْصَرُونَ لِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ عَلَى حُكْمِ الْقَسَمِ، لَا عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ. انْتَهَى. وَأَيُّ نَظَرٍ فِي هَذَا؟ وَهَذَا جَاءَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ أَنَّهُ إِذَا تَقَدَّمَ الْقَسَمُ عَلَى الشَّرْطِ كَانَ الْجَوَابُ لِلْقَسَمِ وَحُذِفَ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَكَانَ فِعْلُهُ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ، أَوْ مَجْزُومًا بِلَمْ، وَلَهُ شَرْطٌ، وَهُوَ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَهُ طَالِبُ خَبَرٍ. وَاللَّامُ فِي لَئِنْ مُؤْذِنَةٌ بِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ قَبْلَهُ، فَالْجَوَابُ لَهُ. وَقَدْ أَجَازَ الْفَرَّاءُ أَنْ يُجَابَ الشَّرْطُ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَسَمَ، وَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْبَصْرِيُّونَ. ثُمَّ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَخَافُونَكُمْ أَشَدَّ خِيفَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُمْ يَتَوَقَّعُونَ عَاجِلَ شَرِّكُمْ، وَلِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ لَا يَتَوَقَّعُونَ أَجَلَ عَذَابِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لقلة فهمهم، ورهبة: مَصْدَرُ رَهِبَ الْمَبْنِيُّ لِلْمَفْعُولِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: أَشَدُّ مَرْهُوبِيَّةً، فَالرَّهْبَةُ وَاقِعَةٌ مِنْهُمْ لَا مِنَ الْمُخَاطَبِينَ، وَالْمُخَاطَبُونَ مَرْهُوبُونَ، وَهَذَا كَمَا قَالَ:

فَلَهُوَ أخوف عندي إذا أُكَلِّمُهُ ... وَقِيلَ إِنَّكَ مَأْسُورٌ ومقتول


(١) سورة المائدة: ٥/ ٧٣.
(٢) سورة الزمر: ٣٩/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>