وَهِيَ أُمُّ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَدِمَتْ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي فِيهَا الْهُدْنَةُ وَأَهْدَتْ إِلَى أَسْمَاءَ قُرْطًا وَأَشْيَاءَ، فَكَرِهَتْ أَنْ تَقْبَلَ منها، فنزلت الآية. وأَنْ تَبَرُّوهُمْ، وأَنْ تَوَلَّوْهُمْ بَدَلَانِ مِمَّا قَبْلَهُمَا، بَدَلُ اشْتِمَالٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ.
كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ قَدْ تَضَمَّنَ أَنَّ مَنْ أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُرَدَّ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رُدَّ إِلَيْهِمْ، فَجَاءَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ، وَهِيَ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ بَعْدَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَخَرَجَ فِي أَثَرِهَا أَخَوَاهَا عُمَارَةُ وَالْوَلِيدُ، فَقَالَا: يَا مُحَمَّدُ أَوْفِ لَنَا بِشَرْطِنَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَالُ النِّسَاءِ إِلَى الضَّعْفِ، كَمَا قَدْ عَلِمْتَ، فَتَرُدَّنِي إِلَى الْكُفَّارِ يَفْتِنُونِي عَنْ دِينِي وَلَا صَبْرَ لِي، فَنَقَضَ اللَّهُ الْعَهْدَ فِي النِّسَاءِ، وَأَنْزَلَ فِيهِنَّ الْآيَةَ، وَحَكَمَ بِحُكْمٍ رَضُوهُ كُلُّهُمْ.
وَقِيلَ: سَبَبُ نُزُولِهَا سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ، جَاءَتِ الْحُدَيْبِيَةَ مُسْلِمَةً، فَأَقْبَلَ زوجها مسافر المخدومي.
وَقِيلَ: صَيْفِيُّ بْنُ الرَّاهِبِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ارْدُدْ عَلَيَّ امْرَأَتِي، فَإِنَّكَ قَدْ شَرَطْتَ لَنَا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْنَا مَنْ أَتَاكَ مِنَّا، وَهَذِهِ طِينَةُ الْكِتَابِ لَمْ تَجِفَّ، فَنَزَلَتْ
بَيَانًا أَنَّ الشَّرْطَ إِنَّمَا كَانَ فِي الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ بِشْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، امْرَأَةُ حَسَّانَ بْنِ الدَّحْدَاحَةِ، وَسَمَّاهُنَّ تَعَالَى مُؤْمِنَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُمْتَحَنَّ، وَذَلِكَ لِنُطْقِهِنَّ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُنَّ مَا يُنَافِي ذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّهُنَّ مُشَارِفَاتٌ لثبات إيمانهن بالامتحان.
وقرىء: مُهَاجِرَاتٌ بِالرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتُ، وَامْتِحَانُهُنَّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: بِآيَةِ الْمُبَايَعَةِ. وَقِيلَ: بِأَنْ يَشْهَدْنَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وإن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute