للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاللَّفْظُ خَبَرٌ، وَالْمَعْنَى عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَالْمُرَادُ التَّسْوِيَةُ، وَجَازَ حَذْفُ الْهَمْزَةِ لِدَلَالَةِ أَمْ عَلَيْهَا، كَمَا دَلَّتْ عَلَى حَذْفِهَا فِي قَوْلِهِ:

بِسَبْعٍ رَمَيْنَا الْجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِ يُرِيدُ: أَبِسَبْعٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: آسْتَغْفَرْتَ، إِشْبَاعًا لِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِلْإِظْهَارِ وَالْبَيَانِ، لَا قَلْبَ هَمْزَةِ الْوَصْلِ أَلِفًا كَمَا فِي: آلسِّحْرِ، وَآللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ: آسْتَغْفَرْتَ، بِمَدَّةٍ عَلَى الْهَمْزَةِ، وَهِيَ أَلِفُ التَّسْوِيَةِ. وَقَرَأَ أَيْضًا: بِوَصْلِ الْأَلْفِ دُونِ هَمْزٍ عَلَى الْخَبَرِ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ ضَعْفٌ، لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى أَثْبَتَ هَمْزَةَ الْوَصْلِ وَقَدْ أَغْنَتْ عَنْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ، وَفِي الثَّانِيَةِ حَذَفَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ.

هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِشَارَةٌ إِلَى ابْنِ سَلُولَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ قَوْمِهِ، سَفَّهَ أَحْلَامَهُمْ فِي أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ رِزْقَ الْمُهَاجِرِينَ بِأَيْدِيهِمْ، وَمَا عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى. لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ: إِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى حَكَى نَصَّ كَلَامِهِمْ، فَقَوْلُهُمْ: عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الهزء، كقولهم: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ «١» ، أَوْ لِكَوْنِهِ جَرَى عِنْدَهُمْ مَجْرَى اللَّعِبِ، أَيْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِإِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِ، إِذْ لَوْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِرِسَالَتِهِ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مَا صَدَرَ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْطِقُوا بِنَفْسِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِكْرَامًا لَهُ وَإِجْلَالًا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:

يَنْفَضُّوا: أَيْ يَتَفَرَّقُوا عَنِ الرَّسُولِ والفضل بْنُ عِيسَى: يَنْفَضُّوا، مِنِ انْفَضَّ الْقَوْمُ: فَنِيَ طَعَامُهُمْ، فَنَفَضَ الرَّجُلُ وِعَاءَهُ، وَالْفِعْلُ مِنْ بَابِ مَا يُعَدَّى بِغَيْرِ الْهَمْزَةِ، وَبِالْهَمْزَةِ لَا يَتَعَدَّى.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَحَقِيقَتُهُ حَانَ لَهُمْ أَنْ يَنْفُضُوا مَزَاوِدَهُمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ: فَالْأَعَزُّ فَاعِلٌ، وَالْأَذَلُّ مَفْعُولٌ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ سَلُولَ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَعْنِي بِالْأَعَزِّ: نَفْسَهُ وَأَصْحَابَهُ، وَبِالْأَذَلِّ: الْمُؤْمِنِينَ. وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ والسبي فِي اخْتِيَارِهِ:

لَنُخْرِجَنَّ بِالنُّونِ، وَنَصَبَ الْأَعَزَّ وَالْأَذَلَّ، فَالْأَعَزُّ مَفْعُولٌ، وَالْأَذَلُّ حَالٌ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عمر والداني: لَنَخْرُجَنَّ، بِنُونِ الْجَمَاعَةِ مَفْتُوحَةً وَضَمِّ الرَّاءِ، وَنَصْبِ الْأَعَزِّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، كَمَا قَالَ: نَحْنُ الْعَرَبَ أَقْرَى النَّاسِ لِلضَّيْفِ وَنَصْبِ الْأَذَلِّ عَلَى الْحَالِ، وَحَكَى هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو حَاتِمٍ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ أَنَّ قَوْمًا قَرَأُوا: ليخرجن بالياء مفتوحة


(١) سورة الحجر: ١٥/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>