للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَدْخُلُوا. وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ: أَيْ عَلَى قَصْدٍ وقدوة فِي أَنْفُسِهِمْ، يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ تَمَكَّنُوا مِنْ مُرَادِهِمْ. قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَيْ قَاصِدِينَ إِلَى جَنَّتِهِمْ بِسُرْعَةٍ، قَادِرِينَ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى صِرَامِهَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْقُتَبِيُّ: عَلى حَرْدٍ: عَلَى مَنْعٍ، أَيْ قَادِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى مَنْعِ الْمَسَاكِينِ مِنْ خَيْرِهَا، فَجَزَاهُمُ اللَّهُ بِأَنْ مَنَعَهُمْ خَيْرًا. وَقَالَ الْحَسَنُ:

عَلى حَرْدٍ، أَيْ حَاجَةٍ وَفَاقَةٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَسُفْيَانُ: عَلى حَرْدٍ: عَلَى غَضَبٍ، أَيْ لَمْ يَقْدِرُوا إِلَّا عَلَى حَنَقٍ وَغَضَبٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: عَلى حَرْدٍ: عَلَى انْفِرَادٍ، أَيِ انْفَرَدُوا دُونَ الْمَسَاكِينِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: حَرْدٍ اسْمُ قَرْيَتِهِمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: اسْمُ جَنَّتِهِمْ، أَيْ غَدَوْا عَلَى تِلْكَ الْجَنَّةِ قَادِرِينَ عَلَى صِرَامِهَا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ مُقَدِّرِينَ أَنْ يَتِمَّ لَهُمْ مُرَادُهُمْ مِنَ الصِّرَامِ. قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ من التَّقْدِيرِ بِمَعْنَى التَّضْيِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ «١» ، أَيْ مُضَيِّقِينَ عَلَى الْمَسَاكِينِ، إِذْ حَرَمُوهُمْ مَا كَانَ أَبُوهُمْ يُنِيلُهُمْ مِنْهَا.

فَلَمَّا رَأَوْها: أَيْ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانُوا غُدُوُّهَا عَلَيْهَا، مِنْ هَلَاكِهَا وَذَهَابِ مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ، قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ: أَيْ عَنِ الطَّرِيقِ إِلَيْهَا، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ وُصُولِهِمْ أَنْكَرُوا أَنَّهَا هِيَ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ أَخْطَأُوا الطَّرِيقَ إِلَيْهَا، ثُمَّ وَضَحَ لَهُمْ أَنَّهَا هِيَ، وَأَنَّهُ أَصَابَهَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَا أَذْهَبَ خَيْرَهَا. وَقِيلَ: لَضَالُّونَ عَنِ الصَّوَابِ فِي غُدُوِّنَا عَلَى نِيَّةِ مَنْعِ الْمَسَاكِينِ، فَقَالُوا: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ خَيْرَهَا بِخِيَانَتِنَا عَلَى أَنْفُسِنَا. قالَ أَوْسَطُهُمْ:

أَيْ أَفْضَلُهُمْ وَأَرْجَحُهُمْ عَقْلًا، أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ: أَنَّبَهُمْ وَوَبَّخَهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ مَا حَضَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ، أَيْ ذِكْرُهُ وَتَنْزِيهُهُ عَنِ السُّوءِ، وَلَوْ ذَكَرُوا الله وإحسانه إليهم لا متثلوا مَا أَمَرَ بِهِ مِنَ مُوَاسَاةِ الْمَسَاكِينِ وَاقْتَفَوْا سُنَّةَ أَبِيهِمْ فِي ذَلِكَ. فَلَمَّا غَفَلُوا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَزَمُوا عَلَى مَنْعِ الْمَسَاكِينِ، ابْتَلَاهُمُ اللَّهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوْسَطَهُمْ كان قد تقد إِلَيْهِمْ وَحَرَّضَهُمْ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ: كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ النَّحَّاسُ: جَعَلَ مُجَاهِدٌ التَّسْبِيحَ مَوْضِعَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى تَنْزِيهُ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِالْتِقَائِهِمَا فِي مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِلَّهِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَفْوِيضٌ إِلَيْهِ، وَالتَّسْبِيحُ تَنْزِيهٌ لَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ التَّفْوِيضِ وَالتَّنْزِيهِ تَعْظِيمٌ لَهُ. وَقِيلَ: لَوْلا تُسَبِّحُونَ: تَسْتَغْفِرُونَ.

وَلَمَّا أَنَّبَهُمْ، رَجَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ، وبادروا إلى تسبح اللَّهِ تَعَالَى فَقَالُوا: سُبْحانَ رَبِّنا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذنبنا.

و


(١) سورة الطلاق: ٦٥/ ٧. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>