للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ آخَرُ:

فَلَمَّا أَنْ أبين على أصاح ... ضرجن حصاة أشتاتا عزينا

وعزة مِمَّا حُذِفَتْ لَامُهُ، فَقِيلَ: هِيَ وَاوٌ وَأَصْلُهُ عِزْوَةٌ، كَأَنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ تَعْتَزِي إِلَى غَيْرِ مَنْ تَعْتَزِي إِلَيْهِ الْأُخْرَى، فَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ. وَيُقَالُ: عَزَاهُ يَعْزُوهُ إِذَا أَضَافَهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَامُهَا هَاءٌ وَالْأَصْلُ عِزْهَةٌ وَجُمِعَتْ عِزَةٌ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، كَمَا جُمِعَتْ سَنَةٌ وَأَخَوَاتُهَا بِذَلِكَ، وَتُكْسَرُ الْعَيْنُ فِي الْجَمْعِ وَتُضَمُّ. وَقَالُوا: عِزًى عَلَى فِعَلٍ، وَلَمْ يَقُولُوا عِزَاتٍ.

سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ، مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً، وَنَراهُ قَرِيباً، يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ، وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ، وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً، يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ، كَلَّا إِنَّها لَظى، نَزَّاعَةً لِلشَّوى، تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى، وَجَمَعَ فَأَوْعى، إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً، إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ، وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ، إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ، أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ.

هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. قَالَ الْجُمْهُورُ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ حِينَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ «١» الْآيَةِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: فِي أَبِي جَهْلٍ. وَقِيلَ: فِي جَمَاعَةً مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ الْآيَةِ.

وَقِيلَ: السَّائِلُ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، سَأَلَ الْعَذَابَ عَلَى الْكَافِرِينَ.

وَقِيلَ: السَّائِلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَشْدُدَ وَطْأَتَهُ عَلَى مُضَرَ الْحَدِيثَ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دَعَوْتَهُ.

وَمُنَاسَبَةُ أَوَّلِهَا لِآخِرِ مَا قَبْلَهَا: أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ «٢» ، أَخْبَرَ عَنْ مَا صَدَرَ عَنْ بَعْضِ الْمُكَذِّبِينَ بِنِقَمِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ السَّائِلُ نُوحًا عليه السلام، أو


(١) سورة الأنفال: ٨/ ٣٢.
(٢) سورة الحاقة: ٦٩/ ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>