مَكَّةَ: بِكَسْرِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَالْهَمْزَةُ مَقْصُورَةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: بِفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودًا، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا أَشَدُّ مواطأة، أي يواطىء الْقَلْبُ فِيهَا اللِّسَانَ، أَوْ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِمَا يُرَادُ مِنَ الْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ. وَمَنْ قرأ وَطْئاً: أَيْ أَشَدُّ ثَبَاتَ قَدَمٍ وَأَبْعَدُ مِنَ الزَّلَلِ، أَوْ أَثْقَلُ وَأَغْلَظُ عَلَى الْمُصَلِّي مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، كَمَا
جَاءَ: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ» .
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: أَشَدُّ قِيَامًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَثْبَتُ قِرَاءَةً وَقِيَامًا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَشَدُّ نَشَاطًا لِلْمُصَلِّي لِأَنَّهُ فِي زَمَانِ رَاحَتِهِ. وَقِيلَ: أَثْبَتُ لِلْعَمَلِ وَأَدْوَمُ لِمَنْ أَرَادَ الِاسْتِكْثَارَ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَاللَّيْلُ وَقْتُ فَرَاغٍ، فَالْعِبَادَةُ تَدُومُ. وَأَقْوَمُ قِيلًا: أَيْ أَشَدُّ اسْتِقَامَةً عَلَى الصَّوَابِ، لِأَنَّ الْأَصْوَاتَ هَادِئَةٌ فَلَا يَضْطَرِبُ عَلَى الْمُصَلِّي مَا يَقْرَؤُهُ. قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: أَصْوَبُ لِلْقِرَاءَةِ وَأَثْبَتُ لِلْقَوْلِ، لِأَنَّهُ زَمَانُ التَّفَهُّمِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَتَمُّ نَشَاطًا وَإِخْلَاصًا وَبَرَكَةً. وَحَكَى ابْنُ شَجَرَةَ: أَعْجَلُ إِجَابَةً لِلدُّعَاءِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَجْدَرُ أَنْ يَتَفَقَّهَ فِيهَا الْقَارِئُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: سَبْحاً: أَيْ تَصَرُّفًا وَتَقَلُّبًا فِي الْمُهِمَّاتِ، كَمَا يَتَرَدَّدُ السَّابِحُ فِي الْمَاءِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
أباحوا لكم شَرْقَ الْبِلَادِ وَغَرْبَهَا ... فَفِيهَا لَكُمْ يَا صَاحُ سَبْحٌ مِنَ السَّبْحِ
وَقِيلَ: سَبْحًا سُبْحَةً، أَيْ نَافِلَةً. وَقَرَأَ ابْنُ يَعْمُرَ وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: سَبْخًا بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ وَمَعْنَاهُ: خِفَّةٌ مِنَ التَّكَالِيفِ، وَالتَّسْبِيخُ: التَّخْفِيفُ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ سَبَّخَ الصُّوفَ إِذَا نَفَشَهُ وَنَشَرَ أَجْزَاءَهُ، فَمَعْنَاهُ: انْتِشَارُ الْهِمَّةِ وَتَفَرُّقِ الْخَاطِرِ بِالشَّوَاغِلِ. وَقِيلَ: فَرَاغًا وَسَعَةً لِنَوْمِكَ وَتَصَرُّفِكَ فِي حَوَائِجِكَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِنْ فَاتَ حِزْبُ اللَّيْلِ بِنَوْمٍ أَوْ عُذْرٍ. فَلْيُخْلِفْ بِالنَّهَارِ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْحًا طَوِيلًا. قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: وَفَسَّرَ ابْنُ يَعْمُرَ وَعِكْرِمَةُ سَبْخًا بِالْخَاءِ مُعْجَمَةً. وَقَالَ: نَوْمًا، أَيْ تَنَامُ بِالنَّهَارِ لِتَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ. وَقَدْ تَحْتَمِلُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ غَيْرَ هَذَا الْمَعْنَى، لَكِنَّهُمَا فَسَّرَاهَا، فَلَا يُجَاوِزُ عَنْهُ. انْتَهَى.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَسَبَّخِي بِدُعَائِكِ»
، أَيْ لَا تخفي. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَسَبِّخْ عَلَيْكَ الْهَمَّ وَاعْلَمْ بِأَنَّهُ ... إِذَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ شَيْئًا فَكَائِنٌ
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ سَبَّخَ اللَّهُ عَنْكَ الْحُمَّى، أَيْ خَفَّفَهَا. وَقِيلَ: السَّبْخُ: الْمَدُّ، يُقَالُ: سَبِّخِي قُطْنَكِ: أَيْ مُدِّيهِ، وَيُقَالُ لِقِطَعِ الْقُطْنِ سَبَائِخُ، الْوَاحِدَةُ سَبِيخَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ:
فَأَرْسَلُوهُنَّ يُذْرِينَ التُّرَابَ كَمَا ... يُذْرِي سَبَائِخَ قُطْنِ نَدْفُ أَوْتَارِ
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ: أَيْ دُمْ عَلَى ذِكْرِهِ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ ذِكْرٍ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute