للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلَبُ. الِاصْطِفَاءُ: الِانْتِجَابُ وَالِاخْتِيَارُ، وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الصَّفْوِ، وَهُوَ الْخَالِصُ مِنَ الْكَدَرِ وَالشَّوَائِبِ، أُبْدِلَتْ مِنْ تَائِهِ طَاءٌ، كَانَ ثُلَاثِيُّهُ لَازِمًا. صَفَا الشَّيْءُ يَصْفُو، وَجَاءَ الِافْتِعَالُ مِنْهُ مُتَعَدِّيًا، وَمَعْنَى الِافْتِعَالِ هُنَا: التَّخَيُّرُ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي الَّتِي جَاءَتْ لِافْتَعَلَ.

وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي: مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا، أَنَّهُ لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْكَعْبَةِ وَالْقِبْلَةِ، وَأَنَّ الْيَهُودَ عَيَّرُوا الْمُؤْمِنِينَ بِتَوَجُّهِهِمْ إِلَى الْكَعْبَةِ وَتَرْكِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، كَمَا قَالَ: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ «١» ، ذَكَرَ حَدِيثَ إِبْرَاهِيمَ وَمَا ابْتَلَاهُ بِهِ اللَّهُ، وَاسْتَطْرَدَ إِلَى ذِكْرِ الْبَيْتِ وَكَيْفِيَّةِ بِنَائِهِ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِشَرْعِهِ، وَاقْتِفَاءً لِآثَارِهِ. فَكَانَ تَعْظِيمُ الْبَيْتِ لَازِمًا لَهُمْ، فَنَبَّهَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَلَى سُوءِ اعْتِمَادِهِمْ، وَكَثْرَةِ مُخَالَفَتِهِمْ، وَخُرُوجِهِمْ عَنْ سُنَنِ مَنْ يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ مِنْ آبَائِهِمْ، وَأَنَّهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ نَسْلِهِ، لَا يَنَالُونَ لِظُلْمِهِمْ شَيْئًا مِنْ عَهْدِهِ، وَإِذِ الْعَامِلُ فِيهِ عَلَى مَا ذكروا محذوف، وقد رواه: اذْكُرْ، أَيِ اذْكُرَا إِذِ ابْتُلِيَ إِبْرَاهِيمُ، فَيَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ، أَوْ إِذِ ابْتَلَاهُ كَانَ كَيْتَ وَكَيْتَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ «٢» ، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ مَلْفُوظًا بِهِ، وَهُوَ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ «٣» . وَالِابْتِلَاءُ: الِاخْتِبَارُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَلَّفَهُ بِأَوَامِرَ وَنَوَاهٍ. وَالْبَارِي تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا يَكُونُ مِنْهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَمَرَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَاخْتِبَارُ اللَّهِ عَبْدَهُ مَجَازٌ عَنْ تَمْكِينِهِ مِنَ اخْتِيَارِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: مَا يُرِيدُ اللَّهُ، وَمَا يَشْتَهِيهِ الْعَبْدُ، كَأَنَّهُ امْتَحَنَهُ مَا يَكُونُ مِنْهُ حَتَّى يُجَازِيَهُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ. انْتَهَى كَلَامُهُ، وَفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ. وَفِي رَيِّ الظَّمْآنِ الِابْتِلَاءُ:

إِظْهَارُ الْفِعْلِ، وَالِاخْتِبَارُ: طَلَبُ الْخَبَرِ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ.

وَإِبْرَاهِيمُ هُنَا، وَفِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ هُوَ الْجَدُّ الْحَادِيُ وَالثَّلَاثُونَ لِنَبِيِّنَا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ خَلِيلُ اللَّهِ، ابْنُ تَارَحَ بْنِ ناجور بْنِ سَارُوغَ بْنِ أَرْغُوَ بْنِ فَالَغَ بْنِ عَابَرَ، وَهُوَ هُودٌ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَوْلِدُهُ بِأَرْضِ الْأَهْوَازِ. وَقِيلَ: بِكُوثَى، وَقِيلَ: بِبَابِلَ، وَقِيلَ: بِنَجْرَانَ، وَنَقَلَهُ أَبُوهُ إِلَى بَابِلَ أَرْضِ نُمْرُوذَ بْنِ كَنْعَانَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ اللُّغَاتِ السِّتِّ فِي لَفْظِهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:

إِبْرَاهِيمَ بِالْأَلِفِ وَالْيَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِخِلَافٍ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ فِي الْبَقَرَةِ بِأَلِفَيْنِ. زَادَ هِشَامٌ أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ فِي: إِبْرَاهِيمَ، وَالنَّحْلِ، وَمَرْيَمَ، وَالشُّورَى، وَالذَّارِيَاتِ، وَالنَّجْمِ، وَالْحَدِيدِ، وَأَوَّلِ الْمُمْتَحَنَةِ، وَثَلَاثِ آخِرِ النِّسَاءِ، وَأُخْرَى التَّوْبَةِ، وَآخِرِ الْأَنْعَامِ، وَالْعَنْكَبُوتِ. وَقَرَأَ


(١) سورة البقرة: ٢/ ١٤٢.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٣٠.
(٣) سورة البقرة: ٢/ ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>