أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً: أَيْ مَنْشُورَةٌ غَيْرُ مَطْوِيَّةٍ تُقْرَأُ كَالْكُتُبِ الَّتِي يُتَكَاتَبُ بِهَا، أَوْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاءِ نَزَلَتْ بِهَا الْمَلَائِكَةُ سَاعَةَ كُتِبَتْ رَطْبَةً لَمْ تُطْوَ بَعْدُ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ نَتَّبِعَكَ حَتَّى يُؤْتَى كُلٌّ وَاحِدٍ مِنَّا بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ عُنْوَانُهُ: مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، يُؤْمَرُ فِيهَا بِاتِّبَاعِكَ، وَنَحْوُهُ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ «١» . وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إِنْ كَانَ يُكْتَبُ فِي صُحُفٍ مَا يَعْمَلُ كُلُّ إِنْسَانٍ، فَلْتُعْرَضْ تِلْكَ الصُّحُفُ عَلَيْنَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: صُحُفاً بِضَمِّ الصَّادِ وَالْحَاءِ، مُنَشَّرَةً مُشَدَّدًا وَابْنُ جُبَيْرٍ: بِإِسْكَانِهَا مُنْشَرَةً مُخَفَّفًا، وَنَشَرَ وَأَنْشَرَ مِثْلَ نَزَلَ وَأَنْزَلُ. شَبَّهَ نَشْرَ الصَّحِيفَةِ بِإِنْشَارِ اللَّهِ الموتى، فعبر عنه بمنشرة مِنْ أَنُشِرَتْ، وَالْمَحْفُوظُ فِي الصَّحِيفَةِ وَالثَّوْبِ نُشِرَ مُخَفَفًّا ثُلَاثِيًّا، وَيُقَالُ فِي الْمَيِّتِ: أَنْشَرَهُ اللَّهُ فَنُشِرَ هُوَ، أَيْ أَحْيَاهُ فَحَيِيَ.
كَلَّا: رَدْعٌ عَنْ إِرَادَتِهِمْ تِلْكَ وَزَجْرٌ لَهُمْ عَنِ اقْتِرَاحِ الْآيَاتِ، بَلْ لَا يَخافُونَ الْآخِرَةَ، وَلِذَلِكَ أَعْرَضُوا عَنِ التَّذْكِرَةِ لَا لِامْتِنَاعِ إِيتَاءِ الصُّحُفِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
يَخافُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ وَأَبُو حَيْوَةَ: بِتَاءِ الْخِطَابِ الْتَفَاتًا. كَلَّا: رَدْعٌ عَنْ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ، إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ: ذِكْرٌ فِي إِنَّهِ وَفِي ذِكْرِهِ، لِأَنَّ التَّذْكِرَةَ ذِكْرٌ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَسَلَّامٌ وَيَعْقُوبُ: تَذْكِرَةٌ بِتَاءِ الْخِطَابِ سَاكِنَةِ الذَّالِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وعيسى وَالْأَعْرَجُ: بِالْيَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَيْوَةَ: يَذَّكَّرُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ وَشَدِّ الذَّالِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: تَذَّكَّرُونَ بِالتَّاءِ وَإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الذَّالِ. هُوَ أَهْلُ التَّقْوى: أَيْ أَهْلٌ أَنْ يُتَّقَى وَيُخَافَ، وَأَهْلٌ أَنْ يَغْفِرَ.
وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ: «يَقُولُ لَكُمْ رَبُّكُمْ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَعَظَمَتُهُ: أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى، فَلَا يُجْعَلُ يُتَّقَى إِلَهٌ غَيْرِي، وَمَنِ اتَّقَى أَنْ يَجْعَلَ مَعِيَ إِلَهًا غَيْرِي فَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ» .
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، يَعْنِي: إِلَّا أَنْ يُقْسِرَهُمْ عَلَى الذِّكْرِ وَيُلْجِئَهُمْ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُمْ مَطْبُوعٌ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ اخْتِيَارًا.
(١) سُورَةُ الإسراء: ١٧/ ٩٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute