الْعِظَامَ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى إِعَادَةَ الْإِنْسَانِ وَجَمْعَ أَجْزَائِهِ الْمُتَفَرِّقَةِ، لِأَنَّ الْعِظَامَ هِيَ قَالَبُ الْخَلْقِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: قادِرِينَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ وَهُوَ يَجْمَعُهَا وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَابْنُ السميفع: قَادِرُونَ، أَيْ نَحْنُ قَادِرُونَ. عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ: وَهِيَ الْأَصَابِعُ، أَكْثَرُ الْعِظَامِ تَفَرُّقًا وَأَدَقُّهَا أَجْزَاءً، وَهِيَ الْعِظَامُ الَّتِي فِي الْأَنَامِلِ وَمَفَاصِلِهَا، وَهَذَا عِنْدَ الْبَعْثِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ: الْمَعْنَى نَجْعَلُهَا فِي حَيَاتِهِ هَذِهِ بُضْعَةً، أَوْ عَظْمًا وَاحِدًا كَخُفِّ الْبَعِيرِ لَا تَفَارِيقَ فِيهِ، أَيْ فِي الدُّنْيَا فَتَقِلُّ مَنْفَعَتُهُ بِهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ تَوَعُّدٌ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَالْمَقْصُودُ مِنْ رَصْفِ الْكَلَامِ. وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِأَلْفَاظٍ مُنَمَّقَةٍ عَلَى عَادَتِهِ فِي حِكَايَةِ أَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَقِيلَ: قادِرِينَ مَنْصُوبٌ عَلَى خَبَرِ كَانَ، أَيْ بَلَى كُنَّا قَادِرِينَ فِي الِابْتِدَاءِ.
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ، بَلْ: إِضْرَابٌ، وَهُوَ انْتِقَالٌ مِنْ كَلَامٍ إِلَى كَلَامٍ مِنْ غَيْرِ إِبْطَالٍ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ يُرِيدُ إِخْبَارٌ عَنْ مَا يُرِيدُهُ الْإِنْسَانُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بَلْ يُرِيدُ عَطْفٌ عَلَى أَيَحْسَبُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ اسْتِفْهَامًا، وَأَنْ يَكُونَ إِيجَابًا عَلَى أَنْ يُضْرَبَ عَنْ مُسْتَفْهَمٍ عَنْهُ إِلَى آخَرَ، أَوْ يُضْرَبَ عَنْ مُسْتَفْهَمٍ عَنْهُ إِلَى مُوجِبٍ. انْتَهَى. وَهَذِهِ التَّقَادِيرُ الثَّلَاثَةُ لَا تَظْهَرُ، وَهِيَ مُتَكَلَّفَةٌ، بَلِ الْمَعْنَى: الْإِخْبَارُ عَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ إِبْطَالٍ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ نَجْمَعُهَا قَادِرِينَ، لِنُبَيِّنَ مَا هُوَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ عَدَمِ الْفِكْرِ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِشَهَوَاتِهِ وَمَفْعُولُ يُرِيدُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ فِي لِيَفْجُرَ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يُرِيدُ شَهَوَاتِهِ وَمَعَاصِيهِ لِيَمْضِيَ فِيهَا أَبَدًا قُدُمًا رَاكِبًا رَأْسَهُ مُطِيعًا أَمَلَهُ وَمُسَوِّفًا بِتَوْبَتِهِ. قَالَ السُّدِّيُّ أَيْضًا:
لِيَظْلِمَ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ فِي أَمامَهُ عَائِدٌ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقْتَضِي أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي زَمَانِ وُجُودِهِ أَمَامَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلْفَهُ، فَهُوَ يُرِيدُ شَهَوَاتِهِ لِيَفْجُرَ فِي تَكْذِيبِهِ بِالْبَعْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ الْقَدْرَ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَالْأَمَامُ ظَرْفُ مَكَانٍ اسْتُعِيرَ هُنَا لِلزَّمَانِ، أَيْ لِيَفْجُرَ فِيمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَسْتَقْبِلُهُ مِنْ زَمَانِ حياته.
يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ: أَيْ مَتَى يَوْمُ الْقِيَامَةِ؟ سُؤَالُ اسْتِهْزَاءٍ وَتَكْذِيبٍ وَتَعَنُّتٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بَرِقَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَالزَّعْفَرَانِيُّ وَابْنُ مِقْسَمٍ وَنَافِعٌ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبَانُ عَنْ عَاصِمٍ وَهَارُونَ وَمَحْبُوبٌ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَالْحَسَنُ وَالْجَحْدَرِيُّ: بِخِلَافٍ عَنْهُمَا بِفَتْحِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute