قَدْ غُيِّرَ وَبُدِّلَ وَزِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ مِنْهُ، وَأَنَّهُمُ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا قَبْلَهَا، وَلَوْ كَانَ التَّرْكِيبُ مِنَ اللَّهُ تَعَالَى مَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّازِيُّ مُنَاسَبَاتٍ عَلَى زَعْمِهِ يُوقِفُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُنَاسِبَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ مُنْكِرَ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ مُعْرِضًا عَنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُعْجِزَاتِهِ وَأَنَّهُ قَاصِرٌ شَهَوَاتِهِ عَلَى الْفُجُورِ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ، ذَكَرَ حَالَ مَنْ يُثَابِرُ عَلَى تَعَلُّمِ آيَاتِ اللَّهِ وَحِفْظِهَا وَتَلَقُّفِهَا وَالنَّظَرِ فِيهَا وَعَرْضِهَا عَلَى مَنْ يُنْكِرُهَا رَجَاءَ قَبُولِهِ إِيَّاهَا، فَظَهَرَ بِذَلِكَ تَبَايُنُ مَنْ يَرْغَبُ فِي تَحْصِيلِ آيَاتِ اللَّهِ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْهَا.
وَبِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الْأَشْيَاءُ وَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِمُثَابَرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ يُبَادِرُ لِلتَّحَفُّظِ بِتَحْرِيكِ لِسَانِهِ أَخْبَرَهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَجْمَعُهُ لَهُ وَيُوَضِّحُهُ. كَلَّا بَلْ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذْرُوَنَ الْآخِرَةَ. لَمَّا فَرَغَ مِنْ خِطَابِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، رَجَعَ إِلَى حَالِ الْإِنْسَانِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ الْمُنْكِرِ الْبَعْثَ، وَأَنَّ هَمَّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي تَحْصِيلِ حُطَامِ الدُّنْيَا الْفَانِي لَا فِي تَحْصِيلِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، إِذْ هُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ، لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ الْمُنْكِرِينَ الْبَعْثَ، وكَلَّا: رَدٌّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَقْوَالِهِمْ، أَيْ لَيْسَ كَمَا زَعَمْتُمْ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ قَوْمٌ غَلَبَتْ عَلَيْكُمْ مَحَبَّةُ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا حَتَّى تَتْرُكُونَ مَعَهُ الْآخِرَةَ وَالنَّظَرَ فِي أَمْرِهَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
كَلَّا رَدْعٌ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِهِ مَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِيهِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ والحسن وقتادة والجحدري وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: بِيَاءِ الْغَيْبَةِ فِيهِمَا.
وَلَمَّا وَبَّخَهُمْ بِحُبِّ الْعَاجِلَةِ وَتَرْكِ الِاهْتِمَامِ بِالْآخِرَةِ، تَخَلَّصَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ الْآخِرَةِ فَقَالَ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ، وَعَبَّرَ بِالْوَجْهِ عَنِ الْجُمْلَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: ناضِرَةٌ بِأَلِفٍ، وزيد بْنُ عَلِيٍّ: نَضِرَةٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَقَرَأَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وُجُوهٌ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَابْتَدَأَ بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّهَا تَخَصَّصَتْ بِقَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ وناضِرَةٌ خَبَرُ وُجُوهٌ. وَقَوْلُهُ: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ جُمْلَةٌ هِيَ فِي مَوْضِعِ خَبَرٍ بَعْدَ خَبَرٍ. انْتَهَى. وَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ تَخْصِيصًا لِلنَّكِرَةِ، فَيَسُوغُ الِابْتِدَاءُ بِهَا، لِأَنَّ ظَرْفَ الزَّمَانِ لَا يَكُونُ صِفَةً لِلْجُثَّةِ، إِنَّمَا يَكُونُ يَوْمَئِذٍ مَعْمُولٌ لناضرة. وَسَوَّغَ جَوَازَ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ كَوْنُ الْمَوْضِعِ مَوْضِعَ تَفْصِيلٍ، وناضِرَةٌ الخبر، وناضِرَةٌ صِفَةٌ. وَقِيلَ: ناضِرَةٌ نَعْتٌ لوجوه، وإِلى رَبِّها ناظِرَةٌ الْخَبَرُ، وَهُوَ قَوْلٌ سَائِغٌ. وَمَسْأَلَةُ النَّظَرِ وَرُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَذْكُورَةٌ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَدَلَائِلِ الْفَرِيقَيْنِ، أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الِاعْتِزَالِ، فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِ ذَلِكَ هُنَا. وَلَمَّا كَانَ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute