بِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَهُ مِنْهُمْ فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِهِ. لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً: أَيْ بِالْأَفْعَالِ، وَلا شُكُوراً: أَيْ ثَنَاءً بِالْأَقْوَالِ
وَهَذِهِ الْآيَةَ قِيلَ نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ
، وَذَكَرَ النَّقَّاشُ فِي ذَلِكَ حِكَايَةً طَوِيلَةً جِدًّا ظَاهِرَةَ الِاخْتِلَافِ، وَفِيهَا إِشْعَارٌ لِلْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ وَالْأَسِيرِ، يُخَاطَبُونَ بِهَا بيت النُّبُوَّةِ، وَإِشْعَارٌ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُخَاطِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ لِسَفْسَافِ أَلْفَاظِهَا وَكَسْرِ أَبْيَاتِهَا وَسَفَاطَةِ مَعَانِيهَا. يَوْماً عَبُوساً:
نِسْبَةُ الْعَبُوسِ إِلَى الْيَوْمِ مَجَازٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْبِسُ الْكَافِرُ يَوْمئِذٍ حَتَّى يَسِيلَ مِنْ عَيْنَيْهِ عَرَقٌ كَالْقَطْرَانِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَوَقاهُمُ بِخِفَّةِ الْقَافِ وَأَبُو جَعْفَرٍ: بِشَدِّهَا وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً: بَدَلَ عَبُوسِ الْكَافِرِ، وَسُرُوراً: فَرَحًا بَدَلَ حُزْنِهِ، لَا تَكَادُ تَكُونُ النَّظْرَةُ إِلَّا مَعَ فَرَحِ النَّفْسِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ. وقرأ الجمهور: وَجَزاهُمْ
وعليّ: وَجَازَاهُمْ عَلَى وَزْنِ فَاعَلَ،
جَنَّةً وَحَرِيراً: بُسْتَانًا فِيهِ كُلُّ مَأْكَلٍ هَنِيءٍ، وَحَرِيراً فِيهِ مَلْبَسٌ بَهِيٌّ، وَنَاسَبَ ذِكْرَ الْحَرِيرِ مَعَ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُمْ أُوثِرُوا عَلَى الْجُوعِ وَالْغِذَاءِ. لَا يَرَوْنَ فِيها: أَيْ فِي الْجَنَّةِ، شَمْساً: أَيْ حَرَّ شَمْسٍ وَلَا شِدَّةَ بَرْدٍ، أَيْ لَا شَمْسَ فِيهَا فَتُرَى فَيُؤْذِي حَرُّهَا، وَلَا زَمْهَرِيرَ يُرَى فَيُؤْذِي بِشِدَّتِهِ، أَيْ هِيَ مُعْتَدِلَةُ الْهَوَاءِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «هَوَاءُ الْجَنَّةِ سَجْسَجٌ لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ» .
وَقِيلَ: لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا قَمَرًا، وَالزَّمْهَرِيرُ فِي لغة طيء الْقَمَرُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَدانِيَةً، قَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ حَالٌ عَطْفًا عَلَى مُتَّكِئِينَ. وَقَالَ أَيْضًا: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْجَنَّةِ، فَالْمَعْنَى: وَجَزَاهُمْ جَنَّةً دَانِيَةً. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
مَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا حَالٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى حَالٍ وَهِيَ لَا يَرَوْنَ، أَيْ غَيْرَ رَائِينَ، وَدَخَلَتِ الْوَاوُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَيْنِ مُجْتَمِعَانِ لَهُمْ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَجَزَاهُمْ جَنَّةً جَامِعِينَ فِيهَا بَيْنَ الْبُعْدِ عَنِ الْحَرِّ وَالْقُرِّ وَدُنُوِّ الظِّلَالِ عَلَيْهِمْ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ: وَدَانِيَةٌ بِالرَّفْعِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْأَخْفَشُ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَمِدَ، نَحْوُ قَوْلِكَ: قَائِمٌ الزَّيْدُونَ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ أَنْ يَكُونَ ظِلالُها مُبْتَدَأً وَدانِيَةً خَبَرٌ لَهُ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: وَدَانِيًا عَلَيْهِمْ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ:
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ «١» . وَقَرَأَ أُبَيٌّ: وَدَانٍ مَرْفُوعٌ، فَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ الْأَخْفَشُ.
وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها، قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَسُفْيَانُ: إِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ قَائِمًا، تَنَاوَلَ الثَّمَرَ دُونَ كُلْفَةٍ وإن قاعدا أو مضطعجا فَكَذَلِكَ، فَهَذَا تَذْلِيلُهَا، لَا يَرُدُّ الْيَدَ عَنْهَا بُعْدٌ وَلَا شَوْكٌ. فَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ: وَدانِيَةً بِالنَّصْبِ، كَانَ وَذُلِّلَتْ مَعْطُوفًا عَلَى دَانِيَةٌ لِأَنَّهَا فِي تَقْدِيرِ
(١) سورة القلم: ٦٨/ ٤٣، وسورة المعارج: ٧٠/ ٤٤.