أَوِ الْمُنَعَّمِينَ، وَالتَّقْدِيرُ: عَلَى قَدْرِ الْأَكُفِّ، قَالَهُ الرَّبِيعُ أَوْ عَلَى قَدْرِ الرِّيِّ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَدَّرُوها صفة لقرارير مِنْ فِضَّةٍ، وَمَعْنَى تَقْدِيرِهِمْ لَهَا أَنَّهُمْ قَدَّرُوهَا فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى مَقَادِيرَ وَأَشْكَالٍ عَلَى حَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ، فَجَاءَتْ كَمَا قَدَّرُوهَا. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلطَّائِفِينَ بِهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَيُطافُ عَلَيْهِمْ، عَلَى أَنَّهُمْ قَدَّرُوا شَرَابَهَا عَلَى قَدْرِ الرِّيِّ، وَهُوَ أَلَذُّ الشَّرَابِ لِكَوْنِهِ عَلَى مِقْدَارِ حَاجَتِهِ، لَا يَفْضُلُ عَنْهَا وَلَا يَعْجِزُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ:
لَا يَفِيضُ وَلَا يَغِيضُ. انْتَهَى.
وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّلَمِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ أَبْزَى وَقَتَادَةُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ والجحدري وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَأَبُو حَيْوَةَ وعباس عن أبان، وَالْأَصْمَعِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَابْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ عَنْ يَعْقُوبَ: قَدَّرُوهَا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: كَأَنَّ اللَّفْظَ قَدَرُوا عَلَيْهَا، وَفِي الْمَعْنَى قَلْبٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَعْنَى أَنْ يُقَالَ: قُدِّرَتْ عَلَيْهِمْ، فَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ «١» ، وَمِثْلُ قَوْلُ الْعَرَبِ:
إِذَا طَلَعَتِ الْجَوْزَاءُ أَلْقَى الْعَوْدُ عَلَى الْحِرْبَاءِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَدَرَ مَنْقُولًا مِنْ قُدِّرَ، تَقُولُ: قَدَّرْتُ الشَّيْءَ وَقَدَّرَنِيهِ فُلَانٌ إِذَا جَعَلَكَ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ: جُعِلُوا قَادِرِينَ لَهَا كَمَا شَاءُوا، وَأَطْلَقَ لَهُمْ أَنْ يُقَدِّرُوا عَلَى حَسَبِ مَا اشْتَهَوْا. انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قُدِّرَتِ الْأَوَانِي عَلَى قَدْرِ رِيِّهِمْ، فَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ أَبِي حَاتِمٍ هَذَا، قَالَ: فِيهِ حَذْفٌ عَلَى حَذْفٍ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ قُدِّرَ عَلَى قَدْرِ رِيِّهِمْ إِيَّاهَا، ثُمَّ حُذِفَ عَلَى فَصَارَ قَدْرُ رِيِّهِمْ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، ثُمَّ حُذِفَ قُدِّرَ فَصَارَ رِيُّهُمْ قَائِمًا مَقَامَهُ، ثُمَّ حُذِفَ الرِّيُّ فَصَارَتِ الْوَاوُ مَكَانَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ لَمَّا حُذِفَ الْمُضَافُ مِمَّا قَبْلَهَا، وَصَارَتِ الْوَاوُ مَفْعُولُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَاتَّصَلَ ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ الثَّانِي فِي تَقَدُّرِ النَّصْبِ بِالْفِعْلِ بَعْدَ الْوَاوِ الَّتِي تَحَوَّلَتْ مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ حَتَّى أُقِيمَتْ مَقَامَ الْفَاعِلِ. انْتَهَى. وَالْأَقْرَبُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ قُدِّرَ رِيُّهُمْ مِنْهَا تَقْدِيرًا، فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَهُوَ الَّذِي، وَأُقِيمَ الضَّمِيرُ مَقَامَهُ فَصَارَ التَّقْدِيرُ: قُدِّرُوا مِنْهَا ثُمَّ اتُّسِعَ فِي الْفِعْلِ فَحُذِفَتْ مِنْ وَوَصَلَ الْفِعْلَ إِلَى الضَّمِيرِ بِنَفْسِهِ فَصَارَ قُدِّرُوهَا، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا حَذْفُ مُضَافٍ وَاتِّسَاعٌ فِي الْمَجْرُورِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَأْسَ تُمْزَجُ بِالزَّنْجَبِيلِ، وَالْعَرَبُ تَسْتَلِذُّهُ وَتَذْكُرُهُ فِي وَصْفِ رُضَابِ أَفْوَاهِ النِّسَاءِ، كَمَا أَنْشَدْنَا لَهُمْ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تُسَمَّى الْعَيْنُ زَنْجَبِيلًا لِطَعْمِ الزَّنْجَبِيلِ فِيهَا. انْتَهَى. وَقَالَ قَتَادَةُ: الزَّنْجَبِيلُ اسْمٌ لِعَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ، يَشْرَبُ مِنْهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَيُمْزَجُ لِسَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يُسْقَى بجامين، الأول مزاجه
(١) سورة القصص: ٢٨/ ٧٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute