بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَالثَّانِي بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ. وَهَذَا التَّكْرَارُ تَوْكِيدٌ فِي الْوَعِيدِ وَحَذْفُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِلْمُ عَلَى سَبِيلِ التَّهْوِيلِ، أَيْ سَيَعْلَمُونَ مَا يَحِلُّ بِهِمْ.
ثُمَّ قَرَّرَهُمْ تَعَالَى عَلَى النَّظَرِ فِي آيَاتِهِ الْبَاهِرَةِ وَغَرَائِبِ مَخْلُوقَاتِهِ الَّتِي ابْتَدَعَهَا مِنَ الْعَدَمِ الصِّرْفِ، وَأَنَّ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، فَقَالَ: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً، فَبَدَأَ بِمَا هُمْ دَائِمًا يُبَاشِرُونَهُ، وَالْمِهَادُ: الْفِرَاشُ الْمُوَطَّأُ. وَقَرَأَ الجمهور: مِهاداً ومجاهد وَعِيسَى وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: مَهْدًا، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَلَمْ يَنْسُبِ ابْنُ عَطِيَّةَ عِيسَى فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: مَهْدًا على التوحيد، مجاهدا وَعِيسَى الْهَمْدَانِيُّ وَهُوَ الْحَوْفِيُّ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ كِنَايَةً عَنْ عِيسَى الْهَمْدَانِيِّ. وَإِذَا أَطْلَقُوا عِيسَى، أَوْ قَالُوا عِيسَى الْبَصْرَةِ، فَهُوَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْمِهَادِ فِي الْبَقَرَةِ فِي أَوَّلِ حِزْبِ، وَاذْكُرُوا اللَّهَ «١» . وَالْجِبالَ أَوْتاداً: أَيْ ثَبَّتْنَا الْأَرْضَ بِالْجِبَالِ، كَمَا ثُبِّتُ الْبَيْتَ بِالْأَوْتَادِ. قَالَ الْأَفْوَهُ:
وَالْبَيْتُ لَا يَنْبَنِي إِلَّا لَهُ عُمُدٍ ... وَلَا عِمَادَ إِذَا لَمْ تُرْسَ أَوْتَادُ
أَزْواجاً: أَيْ أَنْوَاعًا مِنَ اللَّوْنِ وَالصُّورَةِ وَاللِّسَانِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: مُزْدَوِجِينَ، ذَكَرًا وَأُنْثَى. سُباتاً: سُكُونًا وَرَاحَةً. سَبَتَ الرَّجُلُ: اسْتَرَاحَ وَتَرَكَ الشُّغْلَ، وَالسُّبَاتُ عِلَّةٌ مَعْرُوفَةٌ يُفْرَطُ عَلَى الْإِنْسَانِ السُّكُوتُ حَتَّى يَصِيرَ قَاتِلًا، وَالنَّوْمُ شَبِيهٌ بِهِ إِلَّا فِي الضَّرَرِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: النَّائِمُ مَسْبُوتٌ لَا يَعْقِلُ، كَأَنَّهُ مَيِّتٌ. لِباساً: أَيْ يَسْتَتِرُونَ بِهِ عَنِ الْعُيُونِ فِيمَا لَا يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ. وَجَعَلْنَا النَّهارَ: قَابَلَ النَّوْمَ بِالنَّهَارِ، إِذْ فِيهِ الْيَقَظَةُ. مَعاشاً:
وَقْتَ عَيْشٍ، وَهُوَ الْحَيَاةُ تَتَصَرَّفُونَ فِيهِ فِي حوائجكم. سَبْعاً: أي سموات، شِداداً:
مُحْكَمَةَ الْخَلْقِ قَوِيَّةً لَا تَتَأَثَّرُ بِمُرُورِ الْإِعْصَارِ إِلَّا إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَمَّا جِئْتُهُ أَعْلَى مَحَلِّي ... وَأَجْلَسَنِي عَلَى السَّبْعِ الشِّدَادِ
سِراجاً: هُوَ الشَّمْسُ، وَهَّاجاً: حَارًّا مُضْطَرِمَ الِاتِّقَادِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمرو. الشمس فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، إِلَيْنَا ظَهْرُهَا، وَلَهِيبُهَا يَضْطَرِمُ عُلُوًّا. مِنَ الْمُعْصِراتِ، قَالَ أُبَيٌّ وَالْحَسَنُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَزَيْدُ بْنُ أسلم وقتادة ومقاتل: هي السموات.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ وَالضَّحَّاكُ: السَّحَابُ الْقَاطِرَةُ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَصْرِ، لأن
(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٠٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute