للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالأبواب في الجدران. وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ قِطَعًا صِغَارًا حَتَّى تَكُونَ كَالْأَلْوَاحِ، الْأَبْوَابُ الْمَعْهُودَةُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً: أَيْ كَثُرَتْ أَبْوَابُهَا لِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ، كَأَنَّهَا لَيْسَتْ إِلَّا أَبْوَابًا مُفَتَّحَةً، كَقَوْلِهِ: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً «١» ، كَأَنَّ كُلَّهَا عُيُونٌ تَنْفَجِرُ.

وَقِيلَ: الْأَبْوَابُ: الطُّرُقُ وَالْمَسَالِكُ، أَيْ تُكْشَطُ فَيَنْفَتِحُ مَكَانُهَا وَتَصِيرُ طُرُقًا لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ.

فَكانَتْ سَراباً: أَيْ تَصِيرُ شَيْئًا كَلَا شَيْءٍ لتفرق أجزائها وانبثات جَوَاهِرِهَا. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عِبَارَةٌ عَنْ تَلَاشِيهَا وَفَنَائِهَا بَعْدَ كَوْنِهَا هَبَاءً مُنْبَثًّا، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ الْجِبَالَ تُشْبِهُ الْمَاءَ عَلَى بُعْدٍ مِنَ النَّاظِرِ إِلَيْهَا. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ ذَاتُ أَبْوَابٍ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً، لِلطَّاغِينَ مَآباً، لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً، لَا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً، إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً، جَزاءً وِفاقاً، إِنَّهُمْ كانُوا لَا يَرْجُونَ حِساباً، وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً، وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً، فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً، حَدائِقَ وَأَعْناباً، وَكَواعِبَ أَتْراباً، وَكَأْساً دِهاقاً، لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً، جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً، رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً، يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً، ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً، إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً.

مِرْصاداً: مِفْعَالٌ مِنَ الرَّصْدِ، تَرْصُدُ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:

مَجْلِسًا لِلْأَعْدَاءِ وَمَمَرًّا لِلْأَوْلِيَاءِ، وَمِفْعَالٌ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِغَيْرِ تَاءٍ وَفِيهِ مَعْنَى النَّسَبِ، أَيْ ذَاتُ رَصَدٍ، وَكُلُّ مَا جَاءَ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالصِّفَاتِ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ فِيهِ التَّكْثِيرُ وَاللُّزُومُ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْمِرْصَادُ: الْمَكَانُ الَّذِي يُرْصَدُ فِيهِ الْعَدُوُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِلَّا أَنَّ عَلَى النَّارِ الْمِرْصَادَ. فَمَنْ جَاءَ بِجَوَازٍ جَازَ، وَمَنْ لم يجىء بِجَوَازٍ احْتُبِسَ. وَقَرَأَ أَبُو عُمَرَ وَالْمِنْقَرِيُّ وَابْنُ يَعْمَرَ: أن جهنم، يفتح الْهَمْزَةِ وَالْجُمْهُورُ: بِكَسْرِهَا مَآباً: مَرْجِعًا. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَعَلْقَمَةُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ وَثَّابٍ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَطَلْحَةُ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَقُتَيْبَةُ وَسَوْرَةُ وَرَوْحٌ: لَبِثِينَ، بِغَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ اللَّامِ وَالْجُمْهُورُ: بِأَلِفٍ بَعْدَهَا، وَفَاعِلٌ يَدُلُّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الْفِعْلُ، وَفَعِلٌ عَلَى مَنْ شَأْنُهُ ذَلِكَ، كَحَاذِرٍ وَحَذِرٍ. أَحْقاباً: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْكَهْفِ عِنْدَ: أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً «٢» ، وَالْمَعْنَى هُنَا: حُقُبًا بَعْدَ حُقُبٍ، كُلَّمَا


(١) سورة القمر: ٥٤/ ١٢.
(٢) سورة الكهف: ١٨/ ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>