الْمَرْءُ هُوَ الْكَافِرُ لِقَوْلِهِ: نَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً
، وَالْكَافِرُ ظَاهِرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لزيادة الذم. ومعنى اقَدَّمَتْ يَداهُ
مِنَ الشَّرِّ لِقَوْلِهِ: وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ، ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ «١» . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: الْمَرْءُ هُنَا الْمُؤْمِنُ، كَأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى مُقَابِلِهِ فِي قوله: يَقُولُ الْكافِرُ
. وقرأ الجمهور: ْمَرْءُ
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ بِضَمِّهَا وَضَعَّفَهَا أَبُو حَاتِمٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُضَعَّفَ لِأَنَّهَا لُغَةٌ يُتْبِعُونَ حَرَكَةَ الْمِيمِ لِحَرَكَةِ الْهَمْزَةِ فَيَقُولُونَ: مُرْؤٌ وَمَرْأً وَمِرْءٍ عَلَى حَسَبِ الْإِعْرَابِ، وَمَا منصوب بينظر وَمَعْنَاهُ:
يَنْتَظِرُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، فَمَا مَوْصُولَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَنْظُرُ مِنَ النَّظَرِ، وَعُلِّقَ عَنِ الْجُمْلَةِ فَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ إِسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ مَنْصُوبَةٌ تَقَدَّمَتْ، وَتَمَنِّيهِ ذَلِكَ، أَيْ تُرَابًا فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ يُخْلَقْ أَوْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْضِرُ الْبَهَائِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقْتَصُّ مِنْ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، ثُمَّ يَقُولُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ: كُونِي تُرَابًا، فَتَعُودُ جَمِيعُهَا تُرَابًا، فَإِذَا رَأَى الْكَافِرُ ذَلِكَ تَمَنَّى مِثْلَهُ. وَقِيلَ: الْكَافِرُ هَنَا إِبْلِيسُ، إِذَا رَأَى مَا حَصَلَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الثواب قال: الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
كَآدَمَ الَّذِي خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ وَاحْتَقَرَهُ هو أوّلا. وقيل: راباً
: أَيْ مُتَوَاضِعًا لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا جَبَّارًا وَلَا متكبرا.
(١) سورة الأنفال: ٨/ ٥٠- ٥١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute