اسْتِعَارَةٌ، وَلِهَذَا قِيلَ: دَلَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِذِكْرِ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى عَلَى عَامَّةِ مَا يُرْتَفَقُ بِهِ وَيُتَمَتَّعُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى الْمِلْحِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْمَاءِ.
فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: الْقِيَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالْحَسَنُ: النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ. وَقَالَ الْقَاسِمُ: وَقْتُ سَوْقِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَيْهَا، وَأَهْلِ النَّارِ إِلَيْهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ. يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ مَا سَعى: أَيْ عَمَلَهُ الَّذِي كَانَ سَعَى فِيهِ فِي الدُّنْيَا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَبُرِّزَتِ مبني لِلْمَفْعُولِ مُشَدَّدَ الرَّاءِ، لِمَنْ يَرى بِيَاءِ الْغَيْبَةِ:
أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ، فَيَشْكُرُ الْمُؤْمِنُ نِعْمَةَ اللَّهِ. وَقِيلَ: لِمَنْ يَرى هُوَ الْكَافِرُ وَعَائِشَةُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعِكْرِمَةُ وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مُخَفَّفًا وَبِتَاءٍ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ لِمَنْ تَرَى مِنْ أهلها، وأن يكون إخبار عَنِ الْجَحِيمِ، فَهِيَ تَاءُ التَّأْنِيثِ. قَالَ تَعَالَى: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ «١» . وَقَالَ أَبُو نَهِيكٍ وَأَبُو السَّمَّالِ وَهَارُونَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: وَبَرَزَتْ مَبْنِيًّا وَمُخَفَّفًا، ويَوْمَ يَتَذَكَّرُ: بَدَلٌ مِنْ فَإِذا وَجَوَابُ إِذَا، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ. وَقِيلَ: عَايَنُوا وَعَلِمُوا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: انقسم الراؤول قِسْمَيْنِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ: فَأَمَّا وَمَا بَعْدَهُ، كَمَا تَقُولُ: إِذَا جَاءَكَ بَنُو تَمِيمٍ، فَأَمَّا الْعَاصِي فَأَهِنْهُ، وَأَمَّا الطَّائِعُ فَأَكْرِمْهُ.
طَغى: تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي عِصْيَانِهِ، وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ، وَهِيَ مُبْتَدَأٌ أَوْ فَصْلٌ. وَالْعَائِدُ عَلَى مَنْ مِنَ الْخَبَرِ مَحْذُوفٌ عَلَى رَأْيِ الْبَصْرِيِّينَ، أَيِ الْمَأْوَى لَهُ، وَحَسَّنَ حَذْفَهُ وُقُوعُ الْمَأْوَى فَاصِلَةً. وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ أَلْ عِوَضٌ مِنَ الضَّمِيرِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْمَعْنَى فَإِنَّ الْجَحِيمَ مَأْوَاهُ، كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ: غُضَّ الطَّرْفَ، تُرِيدُ طَرْفَكَ وَلَيْسَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ بَدَلًا مِنِ الْإِضَافَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا عُلِمَ أَنَّ الطَّاغِيَ هُوَ صَاحِبُ الْمَأْوَى، وَأَنَّهُ لَا يَغُضُّ الرَّجُلُ طَرْفَ غَيْرِهِ، تُرِكَتِ الْإِضَافَةُ. وَدُخُولُ حَرْفِ التَّعْرِيفِ فِي الْمَأْوَى، وَالطَّرْفِ لِلتَّحْرِيفِ لِأَنَّهُمَا مُعَرَّفَانِ. انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ لَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ الرَّابِطُ الْعَائِدُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، إِذْ قَدْ نَفَى مَذْهَبَ الْكُوفِيِّينَ، وَلَمْ يُقَدِّرْ ضَمِيرًا مَحْذُوفًا، كَمَا قَدَّرَهُ الْبَصْرِيُّونَ، فَرَامَ حُصُولَ الرَّبْطِ بِلَا رَابِطٍ.
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ: أَيْ مَقَامًا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْجَزَاءِ وَفِي إِضَافَةِ الْمَقَامِ إِلَى الرَّبِّ تَفْخِيمٌ لِلْمَقَامِ وَتَهْوِيلٌ عَظِيمٌ وَاقِعٌ مِنَ النُّفُوسِ مَوْقِعًا عظيما. قال ابن
(١) سورة الفرقان: ٢٥/ ١٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute