إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها: أَيْ لَمْ تُبْعَثْ لِتُعْلِمَهُمْ بِوَقْتِ السَّاعَةِ الَّذِي لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ، وَإِنَّمَا بُعِثْتَ لِتُنْذِرَ مِنْ أَهْوَالِهَا مَنْ يَكُونُ إِنْذَارُكَ لُطْفًا بِهِ فِي الْخَشْيَةِ مِنْهَا.
انْتَهَى. وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَزَمَّكَهُ بِكَثْرَةِ أَلْفَاظِهِ، وَهُوَ تَفْكِيكٌ لِلْكَلَامِ وَخُرُوجٌ عَنِ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ إِلَى الْفَهْمِ، وَلَمْ يُخْلِهِ مِنْ دَسِيسَةِ الِاعْتِزَالِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مُنْذِرُ مَنْ بِالْإِضَافَةِ. وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ وَابْنُ هُرْمُزَ وَعِيسَى وَطَلْحَةُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ وَابْنُ مِقْسَمٍ: مُنْذِرٌ بالتنوين. وقال الزمخشري:
وقرىء مُنْذِرٌ بِالتَّنْوِينِ، وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْإِضَافَةُ تَخْفِيفٌ، وَكِلَاهُمَا يَصْلُحُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَإِذَا أُرِيدَ الْمَاضِي، فَلَيْسَ إِلَّا الْإِضَافَةُ، كَقَوْلِكَ: هُوَ مُنْذِرُ زَيْدٍ أَمْسَ. انْتَهَى. أَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصْلُ، يَعْنِي التَّنْوِينَ، فَهُوَ قَوْلٌ قَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ. وَقَدْ قَرَّرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَفِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي هَذَا الْعِلْمِ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِضَافَةُ، لِأَنَّ الْعَمَلَ إِنَّمَا هُوَ بِالشَّبَهِ، وَالْإِضَافَةُ هِيَ أَصْلٌ فِي الْأَسْمَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِذَا أُرِيدَ الْمَاضِي، فَلَيْسَ إِلَّا الْإِضَافَةُ، فَهَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. وَخَصَّ مَنْ يَخْشاها لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِالْإِنْذَارِ. كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها: تَقْرِيبٌ وَتَقْرِيرٌ لِقِصَرِ مُقَامِهِمْ فِي الدُّنْيَا. لَمْ يَلْبَثُوا: لَمْ يُقِيمُوا فِي الدُّنْيَا، إِلَّا عَشِيَّةً: يَوْمٌ أَوْ بُكْرَتُهُ، وَأَضَافَ الضُّحَى إِلَى الْعَشِيَّةِ لِكَوْنِهَا طَرَفَيِ النَّهَارِ. بَدَأَ بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا، فَأَضَافَ الْآخَرَ إِلَيْهِ تَجَوُّزًا وَاتِّسَاعًا، وَحَسَّنَ الْإِضَافَةَ كَوْنُ الْكَلِمَةِ فَاصِلَةً، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute