فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُوِّرَتْ مِثْلَ تَكْوِيرِ الْعِمَامَةِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مِنْ كَارَ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ يُكَوِّرُهَا، أَيْ لَاثَهَا وَجَمَعَهَا، فَهِيَ تُكَوَّرُ، ثُمَّ يَمْحِي ضَوْءَهَا، ثُمَّ يَرْمِي بِهَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوِ الْفَاعِلِيَّةِ؟ قُلْتُ: بَلْ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، رَافِعُهَا فِعْلٌ مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ كُوِّرَتْ، لِأَنَّ إِذَا يَطْلُبُ الْفِعْلَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ.
انْتَهَى. وَمِنْ طَرِيقَتِهِ أَنَّهُ يُسَمِّي الْمَفْعُولَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَاعِلًا، وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ. وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ مِنِ الْإِعْرَابِ مُجْمَعًا عَلَى تَحَتُّمِهِ عِنْدَ النُّحَاةِ، بَلْ يَجُوزُ رَفْعُ الشَّمْسِ عَلَى الِابْتِدَاءِ عِنْدَ الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّينَ، لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ أَنْ تَجِيءَ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ بَعْدَ إِذَا، نَحْوُ: إِذَا زَيْدٌ يُكْرِمُكَ فَأَكْرِمْهُ.
انْكَدَرَتْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَسَاقَطَتْ وَعَنْهُ أَيْضًا: تَغَيَّرَتْ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا ضَوْءٌ لِزَوَالِهَا عَنْ أَمَاكِنِهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَاءٌ كَدِرٌ: أَيْ مُتَغَيِّرٌ. وَتَسْيِيرُ الْجِبَالِ: أَيْ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، أَوْ سُيِّرَتْ فِي الْجَوِّ تَسْيِيرَ السَّحَابِ، كَقَوْلِهِ: وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ «١» ، وَهَذَا قَبْلُ نَسْفِهَا، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالْعِشَارُ: أَنْفَسُ مَا عِنْدَ الْعَرَبِ مِنَ الْمَالِ، وَتَعْطِيلُهَا: تَرْكُهَا مُسَيَّبَةً مُهْمَلَةً، أَوْ عَنِ الْحَلْبِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، أَوْ عَنْ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهَا الْفُحُولُ وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا عِشَارًا بِاعْتِبَارِ مَا سَبَقَ لَهَا ذَلِكَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الْمَثَلِ، لِأَنَّهُ فِي الْقِيَامَةِ لَا يَكُونُ عُشَرَاءُ، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عُشَرَاءُ لَعَطَّلَهَا أَهْلُهَا وَاشْتَغَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ. وَقِيلَ: إِذَا قَامُوا مِنَ الْقُبُورِ شَاهَدُوا الْوُحُوشَ وَالدَّوَابَّ مَحْشُورَةً وَعِشَارُهُمْ فِيهَا الَّتِي كَانَتْ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، لم يعبأوا بِهَا لِشُغْلِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ. وَقِيلَ: الْعِشَارُ: السَّحَابُ، وَتَعْطِيلُهَا مِنَ الْمَاءِ فَلَا تُمْطِرُ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي السَّحَابَ بِالْحَامِلِ. وَقِيلَ: الْعِشَارُ: الدِّيَارُ تُعَطَّلُ فَلَا تُسْكَنُ. وَقِيلَ: الْعِشَارُ: الْأَرْضُ الَّتِي يُعَشَّرُ زَرْعُهَا، تُعَطَّلُ فَلَا تُزْرَعُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: عُطِّلَتْ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَمُضَرُ عَنِ الْيَزِيدِيِّ: بِتَخْفِيفِهَا، كَذَا فِي كِتَابِ ابْنِ خَالَوَيْهِ، وَفِي كِتَابِ اللَّوَامِحِ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، قَالَ فِي اللَّوَامِحِ، وَقِيلَ: هُوَ وَهْمٌ إِنَّمَا هُوَ عَطَلَتْ بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى تَعَطَّلَتْ، لِأَنَّ التَّشْدِيدَ فِيهِ التَّعَدِّي، يُقَالُ: مِنْهُ عَطَّلْتُ الشَّيْءَ وَأَعْطَلْتُهُ فَعَطِلَ بِنَفْسِهِ، وَعَطِلَتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ عَاطِلٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا الْحُلِيُّ، فَلَعَلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ لُغَةٌ اسْتَوَى فِيهَا فَعِلَتْ وَأَفْعَلَتْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَجِيدٍ كَجِيدِ الرِّيمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ ... إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلَا بمعطل
(١) سورة النمل: ٢٧/ ٨٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute