للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَهْلَكَ تُبَّعًا ... وَأَهْلَكَ لُقْمَانَ بْنَ عَادٍ وَعَادِيَا

وَأَهْلَكَ ذَا الْقَرْنَيْنِ مِنْ قَبْلُ ما نوى ... وَفِرْعَوْنَ جَبَّارًا طَغَى وَالنَّجَاشِيَا

وَكَانَ فِرْعَوْنُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْهَلَاكِ، فَدَلَّ بِقِصَّتِهِ وَقِصَّةِ ثَمُودَ عَلَى أَمْثَالِهِمَا مِنْ قِصَصِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ وَهَلَاكِهِمْ. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا: أَيْ مِنْ قَوْمِكَ، فِي تَكْذِيبٍ:

حَسَدًا لَكَ، لَمْ يَعْتَبِرُوا بِمَا جَرَى لِمَنْ قَبْلَهُمْ حِينَ كَذَّبُوا أَنْبِيَاءَهُمْ. وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ: أَيْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ بِهِمْ مَا أَنْزَلَ بِفِرْعَوْنَ وَثَمُودَ وَمَنْ كَانَ مُحَاطًا بِهِ، فَهُوَ مَحْصُورٌ فِي غَايَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعًا، وَالْمَعْنَى: دُنُوُّ هَلَاكِهِمْ.

وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُمْ فِي تَكْذِيبٍ، وَأَنَّ التَّكْذِيبَ عَمَّهُمْ حَتَّى صَارَ كَالْوِعَاءِ لَهُمْ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَذَّبُوهُ وَكَذَّبُوا مَا جَاءَ بِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ، أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَكَذَّبُوا فَقَالَ: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ: أَيْ بَلِ الَّذِي كَذَّبُوا بِهِ قُرْآنٌ مَجِيدٌ، وَمَجَادَتُهُ: شَرَفُهُ عَلَى سَائِرِ الْكُتُبِ بِإِعْجَازِهِ فِي نَظْمِهِ وَصِحَّةِ مَعَانِيهِ، وَإِخْبَارِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي مَحَاسِنِهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: قُرْآنٌ مَجِيدٌ: مَوْصُوفٌ وَصْفَةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ السميفع: قُرْآنٌ مَجِيدٌ بِالْإِضَافَةِ، قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ:

سَمِعْتُ ابْنَ الْأَنْبَارِيِّ يَقُولُ مَعْنَاهُ: بَلْ هُوَ قُرْآنُ رَبٍّ مَجِيدٍ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَلَكِنَّ الْغِنَى رَبٌّ غَفُورُ مَعْنَاهُ: وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى رَبٍّ غَفُورٍ، انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا أَخْرَجَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَرَأَ الْيَمَانِيُّ: قُرْآنٌ مَجِيدٌ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَجِيدَ، انْتَهَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ لِصِفَتِهِ فَيَكُونُ مَدْلُولُهُ وَمَدْلُولُ التَّنْوِينِ وَرَفْعُ مَجِيدٌ وَاحِدًا، وَهَذَا أَوْلَى لِتَوَافُقِ الْقِرَاءَتَيْنِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فِي لَوْحٍ بِفَتْحِ اللَّامِ، مَحْفُوظٍ بِالْخَفْضِ صِفَةٌ لِلَوْحٍ، وَاللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ هُوَ الَّذِي فِيهِ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ يَعْمَرَ وَابْنُ السميفع: بِضَمِّ اللَّامِ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: اللَّوْحُ: الْهَوَاءُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَعْنِي اللَّوْحَ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الَّذِي فِيهِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ مِنْ وُصُولِ الشَّيَاطِينِ إِلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَنَافِعٌ بِخِلَافٍ عَنْهُ: مَحْفُوظٍ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِقُرْآنٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «١» ، أَيْ هُوَ مَحْفُوظٌ فِي الْقُلُوبِ، لَا يَلْحَقُهُ خَطَأٌ وَلَا تبديل.


(١) سورة الحجر: ١٥/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>