للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ ضَرِيعٍ، إِذِ الْإِطْعَامُ مِنْ ضَرِيعٍ غَيْرُ مُسْمِنٍ وَلَا مُغْنٍ مِنْ جُوعٍ، وَهَذَا تَرْكِيبٌ صَحِيحٌ وَمَعْنًى وَاضِحٌ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوْ أُرِيدَ أَنْ لَا طَعَامَ لَهُمْ أَصْلًا، لِأَنَّ الضَّرِيعَ لَيْسَ بِطَعَامٍ لِلْبَهَائِمِ فَضْلًا عَنِ الْإِنْسِ، لِأَنَّ الطَّعَامَ مَا أَشْبَعَ وَأَسْمَنَ، وَهُوَ مِنْهُمَا بِمَعْزِلٍ. كَمَا تَقُولُ: لَيْسَ لِفُلَانٍ ظِلٌّ إِلَّا الشَّمْسُ، تُرِيدُ نَفْيَ الظِّلِّ عَلَى التَّوْكِيدِ. انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، إِذْ لَمْ يَنْدَرِجِ الْكَائِنُ مِنَ الضَّرِيعِ تَحْتَ لَفْظَةِ طَعَامٍ، إِذْ لَيْسَ بِطَعَامٍ. وَالظَّاهِرُ الِاتِّصَالُ فِيهِ. وَفِي قَوْلِهِ: وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ «١» ، لِأَنَّ الطَّعَامَ هُوَ مَا يَتَطَعَّمُهُ الْإِنْسَانُ، وَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْتَلَذِّ وَالْمَكْرُوهِ وَمَا لَا يُسْتَلَذُّ وَلَا يُسْتَكْرَهُ.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ: صَحَّ الِابْتِدَاءُ فِي هَذَا وَفِي قَوْلِهِ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ بِالنَّكِرَةِ لِوُجُودِ مُسَوِّغِ ذَلِكَ وَهُوَ التَّفْصِيلُ، نَاعِمَةٌ لِحُسْنِهَا وَنَضَارَتِهَا أَوْ مُتَنَعِّمَةٌ. لِسَعْيِها راضِيَةٌ: أَيْ لِعَمَلِهَا فِي الدُّنْيَا بِالطَّاعَةِ، رَاضِيَةٌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ جَزَاؤُهُ الْجَنَّةُ. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ: أَيْ مَكَانًا وَمَكَانَةً. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِخِلَافٍ عَنْهُمْ. لَا تَسْمَعُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، لاغِيَةً: رُفِعَ، أَيْ كَلِمَةٌ لَاغِيَةٌ، أَوْ جَمَاعَةٌ لَاغِيَةٌ، أَوْ لَغْوٌ، فَيَكُونُ مَصْدَرًا كَالْعَاقِبَةِ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، الثَّالِثُ لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَعِيسَى وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو كَذَلِكَ، إلا أنهم قرأوا بِالْيَاءِ لِمَجَازِ التَّأْنِيثِ، وَالْفَضْلُ وَالْجَحْدَرِيُّ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ نَصَبَ لَاغِيَةً عَلَى مَعْنَى لَا يَسْمَعُ فِيهَا، أَيْ أَحَدٌ مِنْ قَوْلِكَ:

أَسْمَعْتُ زَيْدًا وَالْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَأَبُو جعفر وقتادة وَابْنُ سِيرِينَ وَنَافِعٌ فِي رِوَايَةٍ خَارِجَةٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِخِلَافٍ عَنْهُ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: لَا تَسْمَعُ بِتَاءِ الْخِطَابِ عُمُومًا، أَوْ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوِ الْفَاعِلُ الْوُجُودُ. لَاغِيَةً: بِالنَّصْبِ، فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ: عَيْنٌ اسْمُ جِنْسٍ، أَيْ عُيُونٌ، أَوْ مَخْصُوصَةٌ ذُكِرَتْ تَشْرِيفًا لَهَا. فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ: مِنْ رِفْعَةِ الْمَنْزِلَةِ أَوْ رِفْعَةِ الْمَكَانِ لِيَرَى مَا خَوَّلَهُ رَبُّهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالنَّعِيمِ، أَوْ مَخْبُوءَةٌ مِنْ رَفَعْتُ لَكَ هَذَا، أَيْ خَبَّأْتُهُ.

وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ: أَيْ بِأَشْرِبَتِهَا مُعَدَّةٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَى مالىء، أَوْ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، أَوْ مَوْضُوعَةٌ عَلَى حَافَّاتِ الْعُيُونِ. وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ: أَيْ وَسَائِدُ صُفَّ بَعْضُهَا إِلَى جَنْبِ بَعْضٍ لِلِاسْتِنَادِ إِلَيْهَا وَالِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا. وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ: مُتَفَرِّقَةٌ هُنَا وَهُنَا فِي الْمَجَالِسِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَمْرَ الْقِيَامَةِ وَانْقِسَامَ أَهْلِهَا إِلَى أَشْقِيَاءَ وَسُعَدَاءَ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ ذَلِكَ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِهِ هَذِهِ الدَّلَائِلَ، وَذِكْرِ مَا الْعَرَبُ مُشَاهِدُوهُ وَمُلَابِسُوهُ دَائِمًا فَقَالَ: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وهي الجمال،


(١) سورة الحاقة: ٦٩/ ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>