للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لَا يُعَذِّبُ، وَلَا يُوثِقُ: مَبْنِيَّيْنِ لِلْفَاعِلِ، والضمير في عَذابَهُ، ووَثاقَهُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ لَا يَكِلْ عَذَابَهُ وَلَا وَثَاقَهُ إِلَى أَحَدٍ، لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ هُوَ مِنَ الشِّدَّةِ فِي حَيِّزٍ لَمْ يُعَذِّبْ قَطُّ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا مِثْلَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْضَحُ لِقَوْلِهِ:

لَا يُعَذِّبُ وَلَا يُوثِقُ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَاضِي إِلَّا بِمَجَازٍ بَعِيدٍ، بَلْ مَوْضُوعُ، لَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُضَارِعِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ قَبْلَهَا عَائِدًا عَلَى الْكَافِرِ، أَيْ لَا يُعَذِّبُ أَحَدٌ مِنَ الزَّبَانِيَةِ مِثْلَ مَا يُعَذِّبُونَهُ. وَقِيلَ إِلَى اللَّهِ، أَيْ لَا يُعَذِّبُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا عَذَابَ اللَّهِ لِلْكَافِرِ، وَيُضَعِّفُ هَذَا عَمَلُ لَا يُعَذِّبُ فِي يَوْمَئِذٍ، وَهُوَ ظَرْفُ مُسْتَقْبَلٍ. وَقَرَأَ ابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَسِوَارٌ الْقَاضِي وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبُو بَحْرِيَّةَ وَسَلَّامٌ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وسهل وَخَارِجَةُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: بِفَتْحِ الذَّالِ وَالثَّاءِ مَبْنِيَّيْنِ لِلْمَفْعُولِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِيهِمَا مُضَافًا لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَيْ لَا يُعَذَّبُ أَحَدٌ مِثْلَ عَذَابِهِ، وَلَا يُوثَقُ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ مِثْلَ وثاقه، أو يَحْمِلُ أَحَدٌ عَذَابَ الْإِنْسَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى «١» ، وَعَذَابٌ وُضِعَ مَوْضِعَ تَعْذِيبٍ. وَفِي اقتياس مِثْلِ هَذَا خِلَافٌ، وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ مَا وُضِعَ لِغَيْرِ الْمَصْدَرِ، كَالْعَطَاءِ وَالثَّوَابِ وَالْعَذَابِ وَالْكَلَامِ. فَالْبَصْرِيُّونَ لَا يُجِيزُونَهُ وَيَقِيسُونَهُ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ بِخِلَافٍ عَنْهُمْ: وِثَاقُهُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْجُمْهُورُ:

بِفَتْحِهَا، وَالْمُعَذَّبُ هُوَ الْكَافِرُ عَلَى الْعُمُومِ. وَقِيلَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. وَقِيلَ: أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ إِبْلِيسُ وَقَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَشَدُّ مِنَ النَّاسِ عَذَابًا، وَيَدْفَعُ الْقَوْلَ هَذَا قَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ، وَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا مَسُوقَةٌ لَهُ.

وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ مَنْ يُعَذَّبُ، ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِ فقال:

يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ، وَهَذَا النِّدَاءُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِتَاءِ التَّأْنِيثِ.

وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: يَا أَيُّهَا بِغَيْرِ تَاءٍ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ أَنَّهَا تُذَكَّرُ، وَإِنْ كَانَ الْمُنَادَى مُؤَنَّثًا، إِلَّا صَاحِبَ الْبَدِيعِ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، وَلِذَلِكَ وَجْهٌ مِنَ الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُثَنَّ وَلَمْ يُجْمَعْ فِي نِدَاءِ الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ فَكَذَلِكَ لَمْ يُؤَنَّثْ فِي نِدَاءِ الْمُؤَنَّثِ. الْمُطْمَئِنَّةُ:

الْآمِنَةُ الَّتِي لَا يَلْحَقُهَا خَوْفٌ وَلَا حُزْنٌ، أَوِ الَّتِي كَانَتْ مُطْمَئِنَّةً إِلَى الْحَقِّ لَمْ يُخَالِطْهَا شَكٌّ.

قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَخُرُوجِهَا مِنْ جَسَدِ الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: عِنْدَ الْبَعْثِ. وَقِيلَ: عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ. إِلى رَبِّكِ: أَيْ إِلَى مَوْعِدِ رَبِّكَ. وَقِيلَ: الرَّبُّ هُنَا


(١) سورة الأنعام: ٦/ ١٦٤، وسورة الإسراء: ١٧/ ١٥، وسورة الزمر: ٣٩/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>