مُنْقَطِعٌ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَعْتَرِيهِ هَذَا، بَلْ فِي الْجِنْسِ مَنْ يَعْتَرِيهِ ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ زَيْدٍ وَقَتَادَةُ أَيْضًا: أَسْفَلَ سافِلِينَ فِي النَّارِ عَلَى كُفْرِهِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: سَافِلِينَ مُنَكَّرًا وَعَبْدُ اللَّهِ: السَّافِلِينَ مُعَرَّفًا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ. وَأَخَذَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَقْوَالَ السَّلَفِ وَحَسَّنَهَا ببلاغته وانتقاء أَلْفَاظِهِ فَقَالَ: فِي أَحْسَنِ تَعْدِيلٍ لِشَكْلِهِ وَصُورَتِهِ وَتَسْوِيَةِ أَعْضَائِهِ، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ حِينَ لَمْ يَشْكُرْ نِعْمَةَ تِلْكَ الْخِلْقَةِ الْحَسَنَةِ الْقَوِيمَةِ السَّوِيَّةِ، إِذْ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ مَنْ سَفُلَ خَلْقًا وَتَرْكِيبًا، يَعْنِي أَقْبَحَ مَنْ قَبُحَ صُورَةً وَأَشْوَهَهُ خِلْقَةً، وَهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ. وَأَسْفَلَ مَنْ سَفُلَ مِنْ أَهْلِ الدَّرَكَاتِ. أَوْ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّقْوِيمِ وَالتَّحْسِينِ أَسْفَلَ مَنْ سَفُلَ فِي حُسْنِ الصُّورَةِ وَالشَّكْلِ، حَيْثُ نَكَّسْنَاهُ فِي خَلْقِهِ، فَقُوِسَ ظَهْرُهُ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ، وَابْيَضَّ شَعْرُهُ بَعْدَ سَوَادِهِ، وَتَشَنَّنَ جِلْدُهُ وَكَانَ بَضًّا، وَكَلَّ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَانَا حَدِيدَيْنِ، وَتَغَيَّرَ كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ، فَمَشْيُهُ دَلْفٌ، وَصَوْتُهُ خُفَاتٌ، وَقُوَّتُهُ ضَعْفٌ، وَشَهَامَتُهُ خَرَفٌ،. انْتَهَى، وَفِيهِ تَكْثِيرٌ. وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّدَّ هُوَ إِلَى الْهِرَمِ، فَالْمَعْنَى:
وَلَكِنَّ الصَّالِحِينَ مِنَ الْهَرْمَى لَهُمْ ثَوَابٌ دَائِمٌ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَلَى طَاعَتِهِمْ وَصَبْرِهِمْ عَلَى ابْتِلَاءِ اللَّهِ بِالشَّيْخُوخَةِ وَالْهِرَمِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا بَلَغَ مِائَةً وَلَمْ يَعْمَلْ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي صِحَّتِهِ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ» ، وَفِيهِ أَيْضًا: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا رُدَّ لِأَرْذَلِ الْعُمُرِ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي قُوَّتِهِ»
، وَذَلِكَ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ وَمَمْنُوعٍ مَقْطُوعٍ، أَيْ مَحْسُوبٍ يُمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ.
وَالْخِطَابُ فِي فَما يُكَذِّبُكَ لِلْإِنْسَانِ الْكَافِرِ، قَالَهُ الْجُمْهُورُ، أَيْ مَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ، أَيْ يَجْعَلُكَ مُكَذِّبًا بِالدِّينِ تَجْعَلُ لِلَّهِ أَنْدَادًا وَتَزْعُمُ أَنْ لَا بَعْثَ بَعْدَ هَذِهِ الدَّلَائِلِ؟ وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ: قَالَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ فِيمَا تُخْبِرُ بِهِ مِنَ الْجَزَاءِ وَالْبَعْثِ وَهُوَ الدين بعد هذه العبرة التي توجب النَّظَرُ فِيهَا صِحَّةَ مَا قَلْتَ. أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ: وَعِيدٌ لِلْكُفَّارِ وَإِخْبَارٌ بعد له تعالى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute