ذَلِكَ كَالْوَعِيدِ وَالزَّجْرِ عَنِ الْمَعَاصِي، انْتَهَى. وَلَا يَتَرَجَّحُ بِالْقُرْبِ إِلَّا إِذَا تَسَاوَيَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَالْإِنْسَانُ هُنَا هُوَ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ وَالْمُسْنَدُ إِلَيْهِ الْكَنُودُ. وَأَيْضًا فَتَنَاسُقُ الضَّمَائِرِ لِوَاحِدٍ مَعَ صِحَّةِ الْمَعْنَى أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِمَا لِمُخْتَلِفَيْنِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا تَوَسَّطَ الضَّمِيرُ بَيْنَ ضَمِيرَيْنِ عَائِدَيْنِ عَلَى وَاحِدٍ. وَإِنَّهُ: أَيْ وَإِنَّ الْإِنْسَانَ، لِحُبِّ الْخَيْرِ: أَيِ الْمَالِ، لَشَدِيدٌ:
أَيْ قَوِيٌّ فِي حُبِّهِ. وَقِيلَ: لَبَخِيلٌ بِالْمَالِ ضَابِطٌ لَهُ، وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ: شَدِيدٌ وَمُتَشَدِّدٌ. وَقَالَ طَرَفَةُ:
أَرَى الْمَوْتَ يَعْتَامُ الْكِرَامَ وَيَصْطَفِي ... عَقِيلَةَ مَالِ الْفَاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ
وَقَالَ قَتَادَةُ: الْخَيْرُ مِنْ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْمَالُ. قَالَ ابن عطية: ويحتمل إن يُرَادَ هَذَا الْخَيْرُ الدُّنْيَوِيُّ من مال وصحة وجاءه عِنْدَ الْمُلُوكِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْكُفَّارَ وَالْجُهَّالَ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَ ذَلِكَ. فَأَمَّا الْمُحِبُّ فِي خَيْرِ الْآخِرَةِ فَمَمْدُوحٌ مرجوله الْفَوْزُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: نَظْمُ الْآيَةِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنَّهُ لَشَدِيدُ الْحُبِّ لِلْخَيْرِ. فَلَمَّا تَقَدَّمَ الْحُبُّ قَالَ لَشَدِيدٌ، وَحَذَفَ مِنْ آخِرِهِ ذِكْرَ الْحُبِّ لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى ذِكْرُهُ، وَلِرُءُوسِ الْآيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِي يَوْمٍ عاصِفٍ «١» ، وَالْعُصُوفُ: لِلرِّيحِ لَا لِلْأَيَّامِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فِي يَوْمٍ عَاصِفِ الرِّيحِ، انْتَهَى. وَقَالَ غَيْرُهُ مَا مَعْنَاهُ:
لِأَنَّهُ لَيْسَ أَصْلُهُ ذَلِكَ التَّرْكِيبَ، بَلِ اللَّامُ فِي لِحُبِّ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ وَإِنَّهُ لِأَجْلِ حُبِّ الْمَالِ لَبَخِيلٌ أَوْ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْمَالِ وَإِيثَارِهِ قَوِيٌّ مُطِيقٌ، وَهُوَ لِحُبِّ عِبَادَةِ اللَّهِ وَشُكْرِ نِعَمِهِ ضَعِيفٌ مُتَقَاعِسٌ. تَقُولُ: هُوَ شَدِيدٌ لِهَذَا الْأَمْرِ وَقَوِيٌّ لَهُ إِذَا كَانَ مُطِيقًا لَهُ ضَابِطًا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
أَوْ أَرَادَ: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرَاتِ غَيْرُ هَشٍّ مُنْبَسِطٍ، وَلَكِنَّهُ شَدِيدٌ مُنْقَبِضٌ.
أَفَلا يَعْلَمُ: تَوْقِيفٌ إِلَى ما يؤول إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ، وَمَفْعُولُ يَعْلَمُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ، أَيْ أَفَلَا يَعْلَمُ ما آله؟ إِذا بُعْثِرَ، وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: إِذَا ظَرْفٌ مُضَافٌ إِلَى بُعْثِرَ وَالْعَامِلُ فِيهِ يَعْلَمُ. انْتَهَى، وَلَيْسَ بِمُتَّضِحٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَفَلَا يَعْلَمُ الْآنَ؟ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بُعْثِرَ بِالْعَيْنِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: بِالْحَاءِ. وَقَرَأَ الْأَسْوَدُ بْنُ زَيْدٍ: بَحَثَ. وَقَرَأَ نضر بْنُ عَاصِمٍ: بَحْثَرَ عَلَى بِنَائِهِ لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ ابْنُ يَعْمَرَ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعْدَانَ:
وَحَصَّلَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَالْجُمْهُورُ: مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ ابْنُ يَعْمَرَ أَيْضًا وَنَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ أَيْضًا: وَحَصَلَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ خَفِيفَ الصَّادِ، وَالْمَعْنَى جُمِعَ مَا فِي الْمُصْحَفِ، أَيْ أُظْهِرَ مُحَصَّلًا مَجْمُوعًا. وَقِيلَ: مُيِّزَ وَكُشِفَ لِيَقَعَ الْجَزَاءُ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ بِكَسْرِ
(١) سورة إبراهيم: ١٤/ ١٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute