أَعْمَالَ الْحَجِّ، وَمَا يُفْعَلُ فِي الْمَوَاقِفِ، كَالطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَالْوُقُوفِ، وَالصَّلَاةِ، فَتَكُونُ الْمَنَاسِكُ جَمْعَ مَنْسَكٍ: الْمَصْدَرُ، جُمِعَ لِاخْتِلَافِهَا. وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْمَوَاقِفَ الَّتِي يُقَامُ فِيهَا شَرَائِعُ الْحَجِّ، كَمِنًى، وَعَرَفَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ، فَيَكُونُ جَمْعَ مَنْسَكٍ وَهُوَ مَوْضِعُ الْعِبَادَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ وَدَعَا بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ، بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَجَّ بِهِ.
وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَأَرِهِمْ مَنَاسِكَهُمْ، أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ، وَمَعْنَى أَرِنَا: أَيْ بَصِّرْنَا. إِنْ كَانَتْ مِنْ رَأَى الْبَصْرِيَّةِ. وَالتَّعَدِّي هُنَا إِلَى اثْنَيْنِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ بِالْهَمْزَةِ مِنَ الْمُتَعَدِّي إِلَى وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ، فَالْمَنْقُولُ أَنَّهَا تَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ، نَحْوَ قَوْلِهِ:
وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةً ... إِذَا مَا رَأَتْهُ عَامِرٌ وَسَلُولُ
وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
بِأَيِّ كِتَابٍ أَمْ بِأَيَّةِ سُنَّةٍ ... تَرَى حُبَّهُمْ عَارًا عليّ وتحسب
فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ النَّقْلِ، تَعَدَّتْ إِلَى ثَلَاثَةٍ، وَلَيْسَ هُنَا إِلَّا اثْنَانِ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهَا مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ. وَقَدْ جَعَلَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ، وَشَرَحَهَا بِقَوْلِهِ: عَرِّفْ، فَهِيَ عِنْدَهُ تَأْتِي بِمَعْنَى عَرِّفْ، أَيْ تَكُونُ قَلْبِيَّةً وَتَتَعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ، ثُمَّ أُدْخِلَتْ هَمْزَةُ النَّقْلِ فَتَعَدَّتْ إِلَى اثْنَيْنِ، وَيَحْتَاجُ ذَلِكَ إِلَى سَمَاعٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهَا مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ، وَعَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهَا مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيَلْزَمُ قَائِلَهُ أَنْ يَتَعَدَّى الْفِعْلُ مِنْهُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَفْعُولِينَ، وَيَنْفَصِلُ بِأَنَّهُ يُوجَدُ مُعَدًّى بِالْهَمْزَةِ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ، كَغَيْرِ الْمُعَدَّى، قَالَ حَطَائِطُ بْنُ يَعْفُرَ أَخُو الْأَسْوَدِ:
أَرِينِي جَوَادًا مَاتَ هَزْلًا لِأَنَّنِي ... أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلَّدًا
انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَطِيَّةَ وَقَوْلُهُ. وَيَلْزَمُ قَائِلَهُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَةِ مَفْعُولِينَ، إِنَّمَا يَلْزَمُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّ رَأَى. إِذَا كَانَتْ قَلْبِيَّةً، تَعَدَّتْ إِلَى اثْنَيْنِ، وَبِهَمْزَةِ النَّقْلِ تَصِيرُ تَتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَةٍ، وَقَوْلُهُ: وَيَنْفَصِلُ بِأَنَّهُ يُوجَدُ مُعَدًّى بِالْهَمْزَةِ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ، كَغَيْرِ الْمُعَدَّى، يَعْنِي أَنَّهُ قَدِ اسْتُعْمِلَ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ مُتَعَدِّيًا إِلَى اثْنَيْنِ وَمَعَهُ هَمْزَةُ النَّقْلِ، كَمَا اسْتُعْمِلَ مُتَعَدِّيًا إِلَى اثْنَيْنِ بِغَيْرِ الْهَمْزَةِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، ثَبَتَ أَنْ لَرَأَى، إِذَا كَانَتْ قَلْبِيَّةً، اسْتِعْمَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى عَلِمَ الْمُتَعَدِّيَةِ لِوَاحِدٍ بِمَعْنَى عَرَفَ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى عَلِمَ الْمُتَعَدِّيَةِ إِلَى اثْنَيْنِ. وَاسْتِدْلَالُ ابْنِ عَطِيَّةٍ بِبَيْتِ ابْنِ يَعْفُرَ عَلَى أَنَّ أَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute