وَنَهْبُ نُفُوسِ أَهْلِ النَّهْبِ أَوْلَى ... بِأَهْلِ النَّهْبِ مِنْ نَهْبِ الْقُمَاشِ
وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الْإِنْزَالِ أَوَّلًا خَاصًّا، عَطَفَ عَلَيْهِ جَمْعًا. كَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ فِي الْإِيتَاءِ خَاصًّا، عَطَفَ عَلَيْهِ جَمْعًا. وَلَمَّا أَظْهَرَ الْمَوْصُولَ فِي الْإِنْزَالِ فِي الْعَطْفِ، أَظْهَرَهُ فِي الْإِيتَاءِ فَقَالَ: وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ، وَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَما أُوتِيَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ فِي الْكُتُبِ وَالشَّرَائِعِ.
وَفِي حَدِيثٍ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ؟ قَالَ: «مِائَةَ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ، أَنْزَلَ عَلَى شِيثَ خَمْسِينَ صَحِيفَةً، وَأَنْزَلَ عَلَى أَخْنُوخَ ثَلَاثِينَ صَحِيفَةً، وَأَنْزَلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَشْرَ صَحَائِفَ، وَأَنْزَلَ عَلَى مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ عَشْرَ صَحَائِفَ، ثُمَّ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ، وَالْإِنْجِيلَ، وَالزَّبُورَ، وَالْفُرْقَانَ.
وَأَمَّا عَدَدُ الْأَنْبِيَاءِ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَهْبِ بن منبه: أَنَّهُمْ مِائَةُ أَلْفِ نَبِيٍّ، وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ، كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَّا عِشْرِينَ أَلْفَ نَبِيٍّ. وَعَدَدُ الرُّسُلِ: ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عشر، كُلُّهُمْ مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ، إِلَّا عِشْرِينَ رَسُولًا، ذَكَرَ مِنْهُمْ فِي الْقُرْآنِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، نَصَّ عَلَى أَسْمَائِهِمْ وَهُمْ: آدَمُ، وَإِدْرِيسُ، وَنُوحٌ، وَهُودٌ، وَصَالِحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَلُوطٌ، وَشُعَيْبٌ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَعْقُوبُ، وَيُوسُفُ، وَمُوسَى، وَهَارُونُ، وَالْيَسَعُ، وَإِلْيَاسُ، وَيُونُسُ، وَأَيُّوبُ، وَدَاوُدُ، وَسُلَيْمَانُ، وَزَكَرِيَّا، وَعُزَيْرٌ، وَيَحْيَى، وَعِيسَى، وَمُحَمَّدٌ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَّا عَشَرَةً:
نُوحًا، وَهُودًا، وَشُعَيْبًا، وَصَالِحًا، وَلُوطًا، وَإِبْرَاهِيمَ، وَإِسْحَاقَ، وَيَعْقُوبَ، وَإِسْمَاعِيلَ، ومحمدا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ. وَابْتُدِئَ أَوَّلًا بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أصل الشرائع، وقدم ما أُنْزِلَ إِلَيْنا، وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الْإِنْزَالِ عَنْ مَا بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ النَّاسَ، بَعْدَ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَدْعُوُّونَ إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ جملة وتفصيلا. وقدم ما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ عَلَى ما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى، لِلتَّقَدُّمِ فِي الزَّمَانِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُنَزَّلَ عَلَى مُوسَى، وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ، هُوَ الْمُنَزَّلُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، إِذْ هُمْ دَاخِلُونَ تَحْتَ شَرِيعَتِهِ. وَما أُوتِيَ مُوسى: ظَاهِرُهُ الْعَطْفُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْمَجْرُورَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِيمَانِ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ: وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَمَا أُوتِيَ الثَّانِيَةُ عَطْفٌ عَلَى مَا أُوتِيَ، فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ. وَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ مِنْ رَبِّهِمْ، أَوْ لَا نُفَرِّقُ، أَوْ يَكُونُ: وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى مَعْطُوفًا عَلَى الْمَجْرُورِ قَبْلَهُ، وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ رُفِعَ عَلَى الابتداء، ومِنْ رَبِّهِمْ الْخَبَرُ، أَوْ لَا نُفَرِّقُ هُوَ الْخَبَرُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ رَبِّهِمْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَمِنْ لابتداء الغاية، فتتعلق بما أوتي الثانية، أو بما أُوتِيَ الْأُولَى،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute