مَعْرُورٍ مَعَ جَمَاعَةٍ، وَهَذَا مُشْكِلٌ، لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ وَالْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ مَاتَا قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ. وَقَدْ فُسِّرَ الْإِيمَانُ بِالصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالرَّبِيعُ وَغَيْرُهُمْ، وَكَنَّى عَنِ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَانِ لَمَّا كَانَتْ صَادِرَةً عَنْهُ، وَهِيَ مِنْ شُعَبِهِ الْعَظِيمَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقِرَّ الْإِيمَانَ عَلَى مَدْلُولِهِ، إِذْ هُوَ يَشْمَلُ التَّصْدِيقَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِي وَقْتِ التَّحْوِيلِ. وَذَكَرَ الْإِيمَانَ، وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عَنْ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْعُمْدَةُ، وَالَّذِي تَصِحُّ بِهِ الْأَعْمَالُ. وَقَدْ كَانَ لَهُمْ ثَابِتًا فِي حَالِ تُوَجُّهِهِمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَغَيْرِهِ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُضِيعُ إِيمَانُكُمْ، فَانْدَرَجَ تَحْتَهُ مُتَعَلِّقَاتُهُ الَّتِي لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهِ. وَكَانَ ذِكْرُ الْإِيمَانِ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الصَّلَاةِ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ انْدِرَاجُ صَلَاةِ الْمُنَافِقِينَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَتَى بِلَفْظِ الْخِطَابِ، وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عَمَّنْ مَاتَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ، لِأَنَّ الْمُصَلِّينَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مَاتُوا. وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ: لِيُضَيِّعَ، بِفَتْحِ الضَّادِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَأَضَاعَ وَضَيَّعَ الْهَمْزَةُ، وَالتَّضْعِيفُ، كِلَاهُمَا لِلنَّقْلِ، إِذْ أَصْلُ الْكَلِمَةِ ضَاعَ. وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: لَوْلَا ذكر سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: لَمَا اتَّصَلَ الْكَلَامُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. وَوَجْهُ تَقْرِيرِ الْإِشْكَالِ، أَنَّ الَّذِينَ لَا يُجَوِّزُونَ النَّسْخَ إِلَّا مَعَ الْبَدَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمَّا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَفْسَدَةً، أَوْ بَاطِلًا، فَوَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ، بِنَاءً عَلَى هَذَا السُّؤَالِ، أَنَّ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي أَتَوْا بِهَا مُتَوَجِّهِينَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ ضَائِعَةً. فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، وَبَيَّنَ أَنَّ النَّسْخَ نَقْلٌ مِنْ مَصْلَحَةٍ إِلَى مَصْلَحَةٍ، وَمِنْ تَكْلِيفٍ إِلَى تَكْلِيفٍ، وَالْأَوَّلُ كَالثَّانِي فِي أَنَّ الْمُتَمَسِّكَ بِهِ قَائِمٌ. انْتَهَى.
وَإِذَا كَانَ الشَّكُّ إِنَّمَا تَوَلَّدَ مِمَّنْ يَجُوزُ الْبَدَاءَ عَلَى اللَّهِ، فَكَيْفَ يَلِيقُ ذَلِكَ بِالصَّحَابَةِ؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ مُنَافِقٍ، فَأَخْبَرَ عَنْ جَوَابِ سُؤَالِ الْمُنَافِقِ، أَوْ جُووِبَ عَلَى تَقْدِيرِ خُطُورِ ذَلِكَ بِبَالِ صَحَابِيٍّ لَوْ خَطَرَ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِقَادِهِ أَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ مِنْ أَنَّهُ لَوْلَا ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، لَمَا اتَّصَلَ الْكَلَامُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ، سَوَاءٌ أَصَحَّ ذِكْرُ السَّبَبِ أَمْ لَمْ يَصِحَّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا ذُكِرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ، كَانَ ذَلِكَ تَقْسِيمًا لِلنَّاسِ حَالَةَ الْجَعْلِ إِلَى قِسْمَيْنِ: مُتَّبِعٌ لِلرَّسُولِ، وَنَاكِصٌ. فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُضِيعُ إِيمَانَ الْمُتَّبِعِ، بَلْ عَمَلُهُ وَتَصْدِيقُهُ، قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ الْقِبْلَةُ، وَبَعْدَ أَنْ تُحَوَّلَ لَا يُضَيِّعُهُ اللَّهُ، إِذْ هُوَ الْمُكَلِّفُ بِمَا شَاءَ مِنَ التَّكَالِيفِ، فَمَنِ امْتَثَلَهَا، فَهُوَ لَا يُضِيعُ أَجْرَهُ. وَلَمَّا كَانَ قَدْ يَهْجِسُ فِي النَّفْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute