للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونَ الْجَوَابُ لِلشَّرْطِ دُونَ الْقَسَمِ. وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَ الْبَصْرِيِّينَ، بَلِ الْجَوَابُ يَكُونُ لِلْقَسَمِ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ فِي النَّحْوِ. وَاسْتِعْمَالُ إِنْ بِمَعْنَى لَوْ قَلِيلٌ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ذَلِكَ، إِذَا سَاغَ إِقْرَارُهَا عَلَى أَصْلِ وَضْعِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَجَاءَ جَوَابُ لَئِنْ كَجَوَابِ لَوْ، وَهِيَ ضِدُّهَا فِي أَنَّ لَوْ تَطْلُبُ الْمُضِيَّ وَالْوُقُوعَ، وَإِنْ تَطْلُبُ الِاسْتِقْبَالَ، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا يَتَرَتَّبُ قَبْلَهُمَا الْقَسَمُ. فَالْجَوَابُ إِنَّمَا هُوَ لِلْقَسَمِ، لِأَنَّ أَحَدَ الْحَرْفَيْنِ يَقَعُ مَوْقِعَ الْآخَرِ، هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ.

انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ تَثْبِيجٌ وَعَدَمُ نَصٍّ عَلَى الْمُرَادِ، لِأَنَّ أَوَّلَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْجَوَابَ لِإِنْ، وَقَوْلُهُ بَعْدُ: فَالْجَوَابُ إِنَّمَا هُوَ لِلْقَسَمِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ لَيْسَ لَإِنْ، وَالتَّعْلِيلُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ، لِأَنَّ أَحَدَ الْحَرْفَيْنِ يَقَعُ مَوْقِعَ الْآخَرِ، لَا يَصْلُحُ أَنْ يُعَلِّلَ بِهِ قَوْلَهُ: فَالْجَوَابُ إِنَّمَا هُوَ لِلْقَسَمِ، بَلْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا، لِأَنَّ الْجَوَابَ لَإِنْ، وَأُجْرِيَتْ فِي ذَلِكَ مَجْرَى لَوْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، فَلَيْسَ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ، إِلَّا أَنَّ مَا تَبِعُوا جَوَابَ الْقَسَمِ، وَوُضِعَ فِيهِ الْمَاضِي مَوْضِعَ الْمُسْتَقْبَلِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا لَئِنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلَ، يُرِيدُ مَعْنَى مَا هُوَ فَاعِلٌ وَمَا يَفْعَلُ.

وَقَالَ أَيْضًا: وَقَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ «١» : أَيْ مَا يُمْسِكُهُمَا. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ: لَئِنْ وَلَوْ، تَقُومُ مَقَامَ الْأُخْرَى، وَيُجَابُ بِمَا يُجَابُ بِهِ، وَمِنْهُ: وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا «٢» ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَلَوْ أَرْسَلْنَا رِيحًا. وَكَذَلِكَ لَوْ يُجَابُ جَوَابُ لَئِنْ، كَقَوْلِكَ: لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ أُحْسِنُ إِلَيْكَ، هَذَا قَوْلُ الْأَخْفَشِ وَالْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجُ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُجَابُ إِحْدَاهُمَا بِجَوَابِ الْأُخْرَى، لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ، وَقَدْرُ الْفِعْلِ الْمَاضِي الَّذِي وَقَعَ بَعْدَ لَئِنْ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، تَقْدِيرُهُ: لَا يَتَّبِعُونَ، وَلَيَظَلُّنَّ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنْ فِي قَوْلِهِ: مَا تَبِعُوا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ جَوَابُ إِنْ لِإِجْرَائِهَا مَجْرَى لَوْ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ وَالْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: أُوتُوا الْكِتابَ: الْعُمُومُ، وَقَدْ قَالَ بِهِ هُنَا قَوْمٌ.

وَقَالَ الْأَصَمُّ: الْمُرَادُ عُلَمَاؤُهُمُ الْمُخْبَرُ عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُمُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، وَفِي الْآيَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ. وَيَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ ذَلِكَ خُصُوصُ مَا تَقَدَّمَ، وَخُصُوصُ مَا تَأَخَّرَ، فَكَذَلِكَ الْمُتَوَسِّطُ وَالْإِخْبَارُ بِإِصْرَارِهِمْ، وَهُوَ شَأْنُ الْمُعَانِدِ، وَأَنَّهُ قَدْ آمَنَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ أهل


(١) سورة فاطر: ٣٥/ ٤١.
(٢) سورة الروم: ٣٠/ ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>